الديمقراطية المراوغة !
30 ربيع الأول 1435
طلعت رميح

كل شيء ممكن حتى لو كان تحدي الغرب بالحديث والخطابات والشعارات أو بالتلويح بالقوة أيا كانت طريقة استخدامها، إلا أن تحقق الديمقراطية في بلادك فذلك دونه الموت إعداما أو بالسم أو بأحكام القضاء، إذ يدرك الغرب ونظم الحكم المتعاونة معه - ومن قبلها الفئات السياسية والإعلامية وتلك التي تعيش على استنزاف أموال الشعوب ونهبها - أن الديمقراطية هي أساس التنمية ومواجهة الفساد، وأن الحكم المتمتع بمشروعية شعبية، قادر على تصحيح نفسه، وعلى نقل الدول والمجتمعات إلى حالة القوة والقدرة الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، لتصبح ندا حقيقيا في الدفاع عن السياسة والمصالح.

 

وذلك هو سر تعثر واستمرار معركة الديمقراطية في العالم العربي لسنوات طوال - يبدو أنها ستطول أكثر- إذ تشير وقائع الأحداث أن الأمة ما تزال بحاجة إلى وقت وصراع وضحايا لأجل إنجاز وعبور معركة تأسيس نظم حكم ديمقراطية.. وواقع الحال أن معركة الديمقراطية ما تزال تشهد ارتباكا في توجهاتها وأطرافها المقاتلة لأجلها، بما يعيق التقدم نحو الانتصار فيها، إذ انتهى الربيع العربي في دورته الراهنة إلى عبور ونجاح واحد يستحق التحية باقتدار في تونس، فيما الدول الأخرى تشهد انقلابا إلى نظم وأوضاع سياسية أشد قسوة ووطأة من الديكتاتوريات التي جرت الثورات ضدها.

 

أحد أشكال الارتباك في المشهد الراهن يعود إلى أن رياح التغيير الديمقراطي، لم تصل عاتية إلى كل الدول العربية دفعة واحدة، وظلت نسيما رقيقا في بعض الدول، التي اعتبرت ما جرى في الدول الأخرى إنذارا بثورة شعوبها، فراحت تمدد دورها الديكتاتوري وتلعب دورا معاكسا في الدول التي شهدت هبوب الرياح، لوأد تجاربها الديمقراطية الوليدة، هؤلاء تحركوا لمنع هبوب الرياح في مصادرها.

 

وهناك الدول الغربية ليست فقط رافضة لحلول الديمقراطية في بلادنا، بل هي ما تزال قادرة على توجيه الضربات لتلك التجارب الوليدة من داخلها عبر اختراقات خطرة للدول والنخب ومجموعات رجال المال، بعدما تأكد للغرب أن إحلال الديمقراطية يعيد إنتاج الحضارة الإسلامية الند للحضارة الغربية، على صعيد المجتمع والدولة، إذ وصلت القوى الإسلامية للحكم عبر صناديق الانتخابات، الغرب صنع حربا أهلية ثقافية بين أجهزة الدولة العربية من جهة والمجتمعات من جهة أخرى – قبل أن ينتهي احتلاله العسكري - وهو يدرك أن وصول الإسلاميين للحكم ينهي تلك الحرب التي هي أحد أسس قيام الديكتاتوريات وديمومة الصراعات التي تستنزف طاقات الأمة.

 

والأهم والأخطر أن مواجهة ووأد التجارب الديمقراطية الوليدة يعود إلى واقع وتشكيل المجتمعات العربية، إذ الديكتاتورية لا تتوقف عند حدود حكم الفرد – ولو كان الأمر كذلك لحسمت قضية الديمقراطية سريعا - بل هي حالة اجتماعية أيضاً إذ ترتبط بها فئات اقتصادية واجتماعية ونخبوية، أشد شراسة من الديكتاتور نفسه، في دفاعها عن مصالحها المرتبطة ببقائه، وفي إعادة إنتاج الديكتاتورية حال سقوط الديكتاتور نفسه.

 

هناك نخب،لا تستحق التسمية، ولعدم استحقاقها ولمصالحها التي لا تنفك عن النظم الديكتاتورية، فهي تمارس صناعة الديكتاتور بوعي بمصالحها بأساليب أشد من الديكتاتور نفسه، تلك الفئات السياسية والإعلامية تقاتل بشراسة لعدم ولوج الطريق الديمقراطي وهى تحاول إعادة إنتاج الديكتاتورية حين تسقط.

 

وهناك شبكات رجال الأعمال الذين وصلوا حد الديناصورات المالية دون أن يكونوا رجال اقتصاد، إذ هم ليسوا سوى ناتج من نواتج اختراق وتعاون فاسد مع عناصر جهاز الدولة المهيمنة.. ففساد رجال الدولة يتطلب ويقوم بالأساس على وجود عناصر متعاونة من خارج جهاز الدولة، إذ تسريب المال العام يجرى وفق دورة محكمة بين طرفين.. تلك الفئات أشد شراسة وأكثر قدرة على أحداث اضطرابات لتجارب الحكم الديمقراطية، التي جرت بعد الربيع العربي.

 

وهناك فئات من المهمشين في المجتمع، أفقرهم النظام الديكتاتوري وحولهم إلى قوة هائلة يستخدمها بفقرها وقهرها - تحت سنابك خيول الدولة - للوقوف في مواجهة الداعين والمروجين والحاكمين بالديمقراطية في مراحل التحول الأولى التي يتأخر وصول نتائجها لهؤلاء مبكرا، فيظلون رصيدا للانقلابات.

 

المعركة طويلة.. إذن، وشرطها الأساسي مدى الإيمان بأنه لا حل إلا بتحقيق الديمقراطية في بلادنا.

 

 

المصدر/ الشرق القطرية