أنت هنا

العودة بخفي حنين من جنيف
30 ربيع الأول 1435

لم يحد مؤتمر جنيف 2 قيد أنملة عن ما توقعته الأوساط الإسلامية سواء في الداخل السوري أو في الخارج؛ فلقد عاد وفد الائتلاف السوري بخفي حنين من هناك، وازداد النظام الفاشي في دمشق شراسة وكبراً، وحصل في جنيف على ما يريد.

مقاعد المفاوضات تبدلت؛ فقبل ثلاثة وعشرين عاماً، كانت مدريد. جلس وفد الكيان الصهيوني في جهة، ووفود سوريا وفلسطين ولبنان والأردن في جهة أخرى.. بدأت مفاوضات السلام برعاية غربية وشرقية، وكانت الجلسة الافتتاحية مثيرة جداً؛ فقد ظل وزير خارجية سوريا ـ حينئذ ـ فاروق الشرع يخطب ببراعة عن جرائم "إسرائيل"، وفي مشهد سينمائي، أخرج ورقة بها صورة عن ملصق وزّعته الشرطة البريطانية لطلب إلقاء القبض على إسحاق شامير رئيس وزراء "إسرائيل" بسبب جرائمه الإرهابية.. هلل البسطاء من العرب حينها واحتفلوا بإهانة الشرع لرئيس الوفد الصهيوني المفاوض اسحاق شامير. لكن هذا هو بدء توقيت التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ فقد مرت عملية تأهيل العرب على جلوس ممثلي الضحايا مع الغزاة والجلادين وجهاً لوجه على مائدة واحدة ليس إلا لترسيخ الاحتلال وشرعنته.. امتدت المفاوضات ومرت ثلاث وعشرون سنة والجولان التي كان يتحدث عنها الشرع ما زالت في حوزة الصهاينة.. كانت جعجعة بلا طحين كما يقال..

بالضبط، هذا ما أرادوه من جنيف 1، وجنيف 2 أن تشرعن لذبح الشعوب وقتل رغبتها في الحرية والكرامة والاستقلال تحت لافتة الاستقرار وضبط الأوضاع ومحاربة الشعوب! لكن ما كان جعجعة بلا طحين أصبح لا جعجعة ولا طحين؛ فقد عجز وفد الائتلاف السوري (الذي يسمونه معارضاً لإضفاء شرعية على حكومة السفاح بشار) عن مباراة الدبلوماسية السورية العتيدة والماكرة في جنيف 2؛ فسقطوا حتى في اختبار "الجعجعة"، وخرج وفد بشار بمكاسب عديدة؛ فهو بدا صلباً معتداً برأيه..استمر في المماطلة، ثم أعلنها بوضوح في آخر جلسة "لن نقدم أي تنازلات"، ومع استمرار المفاوضات الطويلة استطاع نظام بشار أن يجرد الائتلاف من "شرعية" حضوره؛ فقد هاجمه بشدة باعتباره لا يمثل إلا نفسه، وهو أتى من خارج سوريا، بل لا يمثل إلا الدول التي تستضيف أعضائه، وهكذا بدلاً من أن يقتنص لنفسه غنيمة شرعية حكم تتوجب محاكمة قادته كمجرمي حرب، ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية تجردهم من أي سلطة؛ فإنهم بدؤوا في الهجوم على الوفد المهيض، الذي لم يكن لا متمرساً، ولا قادراً على رفض "نصائح" الغرب بوجوب الحضور للجلوس لحل أزمات هامشية، والشروع في الحديث عن قضايا جوهرية لن يتمكنوا من إنجاح التفاوض حولها، ولم يكن مع هذا ملتحفاً برداء الشرعية الداخلي؛ فمعظم قادة الفصائل الإسلامية بسوريا لا تعتبر أن وفداً كهذا يمثلها.. فكان الفشل.

أما النظام؛ فقد تقرر دولياً ـ وتم إعلان ذلك ضمنياً من خلال عدم إدانة السلوك الرسمي السوري في مؤتمر جنيف ـ أن النظام السوري بقيادة بشار "شرعي"، وأنه لا مجال لتغييره، وأن ما يحصل في سوريا ـ وحمص تحديداً مثلما ينص الثعلب الإبراهيمي ـ هو محض "حرب أهلية" بما يمنح بشار صكاً بالبراءة من جرائم ضد شعبه، باعتبار ما ألقاه من براميل متفجرة ومن صواريخ سكود ومن أسلحة كيماوية وما نفذته ميليشياته من مذابح بالسلاح الأبيض، وما مارسه من تعذيب وإخفاء قسري واغتصاب.. الخ، ليس سوى "تجاوزات" في حرب أهلية، ثم حين ينتهون إلى تفاهم؛ فإنه سيصير خنجراً يغرس في ظهر الفصائل بسوريا.. أو هكذا ما يريدونه..

المسار الذي اتخذ في جنيف 2 هو مسار تآمري بوضوح، بغض النظر عن شخصيات الحاضرين من الائتلاف؛ فليس السوريون معنيين بمن ذهب متآمراً أو حضر متوهماً بأنه من الممكن أن يدفع شراً وأن يجلب شرعية دولية للثورة، ليس هذا مهماً، إنما المهم أن المؤتمر كان استدراجاً وقد حصل..