غياب الموضوعية في حالة الانقسام
2 ربيع الثاني 1435
إسماعيل ياشا

الانقسام الحاد والاصطفاف خلف الجماعات والأحزاب من أخطر العوامل التي تهدد النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي، وتؤدي إلى التعصب الحزبي وتقديس الأشخاص، وتجاهل الحقائق مع غياب الموضوعية والإنصاف. ويشعر كثير من الكتاب والمثقفين في حالة الانقسام الحاد بالحاجة إلى التخندق مع طرف أو آخر، وسط التراشق بين الطرفين والاتهامات المتبادلة.

 

وفي حالة الانقسام والاصطفاف يصعب الوقوف محايدا، ويسهل التصنيف، ويرفع كل من الطرفين شعار «إما معنا وإما مع عدونا»، ويطلب الانحياز له سواء أصاب أو أخطأ. وإن حاول أحدٌ تأييد ما يراه صوابا ورفض ما يراه خاطئا لدى كلا الطرفين فقد يتهم بأنه «ينافق» وأنه «يحاول إرضاء الجميع»، ويُنظَر إليه بعين الريبة، ولا يرضى عنه أحد من الطرفين إلا إن كان مرتميا إلى أحضانه ومطبلا له.

 

هذه الحالة غير الطبيعية هي التي يتجه إليها الوضع في تركيا هذه الأيام في ظل المعركة الشرسة التي تجري بين حكومة أردوغان وجماعة فتح الله كولن، ويتخذ كثير من الناس موقفا مؤيدا للحكومة أو للجماعة وسط عاصفة من الاتهامات التي تحجب رؤية الحقائق. ويشكل استمرار هذه الحالة خطرا كبيرا على النظام الديمقراطي، لأن الانتقادات للسياسات الفاشلة والمواقف الخاطئة ضرورية لسلامة النظام الديمقراطي، ولأن التأييد أو المعارضة على أساس التعصب الأعمى يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

 

محاولة جماعة كولن للسيطرة على الدولة من خلال التغلغل في المؤسسات الحكومية لتؤسس دولة داخل الدولة غير مقبولة بأي حال من الأحوال في النظام الديمقراطي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: «هل جميع الانتقادات التي توجهها الجماعة إلى حكومة أردوغان لا أصل لها؟»، وبمعنى آخر، «ألا يمكن رفض ما تقوم به الجماعة لتحل محل «الدولة العميقة» وانتقاد السياسات الخاطئة للحكومة في آن واحد؟».

 

إذا استنكرت محاولة الجماعة فرض الوصاية على الإرادة الشعبية يصنفك أنصار الجماعة مطبلا للحكومة، وإذا انتقدت أيا من مواقف الحكومة وسياساتها يقول لك أنصارها إنك الآن أصبحت مستحقا للتكريم من قبل الجماعة. وفي هذا الجو المشحون، يصعب النقد مع الأسف الشديد مهما كان بنَّاءً وضروريا للمراقبة وتصحيح المسار.

 

ومن الانتقادات التي توجهها جماعة كولن إلى حكومة أردوغان «محاباة إيران» والتساهل في التعامل مع الملف الإيراني. قد يكون في هذه الانتقادات شيء من المبالغة، ولكن زيارة رئيس الوزراء التركي الأخيرة لطهران تشير إلى «خصوصية» إيران لدى الحكومة التركية ورئيسها الذي رفض الانقلاب العسكري في مصر وانتقد الدول الداعمة للانقلاب بشدة، ولكنه عبَّر عن ارتياحه لحسن الضيافة التي حظي بها في العاصمة الإيرانية، قائلا إنه «يشعر بأنه في بيته الثاني»، مع أن إيران هي المسؤولة مع النظام السوري عن جميع المجازر التي ارتكبت في سوريا وعن البراميل المتفجرة، وحتى عن الذين يموتون من الجوع في مخيم اليرموك، لأن إشارة واحدة من طهران تكفي لفك الحصار وإنهاء معاناة سكان المخيم.

 

وكالة الأناضول التركية نشرت قبل أيام 55 ألف صورة مروعة لنحو 11 ألف معتقل تمت تصفيتهم بالتعذيب في سجون النظام السوري. وقال أردوغان في تعليقه إن «الصور المسربة تعكس بشكل صارخ أبعاد الوحشية والمجازر والتطهير العرقي في سوريا»، ولكن الجميع يعرف أن هذه الوحشية والجريمة ضد الإنسانية تم ارتكابها بضوء أخضر من طهران وربما بإشراف مباشر من ضباط الحرس الثوري الإيراني.

 

قد يقول قائل إن تعامل أردوغان مع إيران مبني على البراجماتية ويخدم مصلحة تركيا، أو يرى أن أنقرة تحاول إقناع طهران بالتخلي عن الأسد وتبحث معها سبل إنهاء معاناة الشعب السوري، ولكن هذا التحليل يتعارض مع ما قالته الحكومة التركية بأن موقفها من الانقلاب في مصر مبني على المبدأ وليس موقفا براجماتيا. وأما ما يتعلق بالملف السوري وضرورة رحيل الأسد، فلم نسمع حتى الآن غير حديث الإيرانيين عن التحول في الموقف التركي واقترابه من الموقف الإيراني، وسط التكتم التركي على نتائج مباحثات أردوغان مع المسؤولين الإيرانيين في طهران بشأن الأزمة السورية.

 

الشاهد، أن هناك من لا يؤيد زيارة أردوغان لإيران وما قاله في طهران، ولكنه يرى أن السكوت أولى في الوقت الذي تتعرض فيه حكومة أردوغان لمؤامرة من الداخل والخارج. وقد تكون هذه الحالة مؤقتة ولكنها إن طالت وطال معها السكوت على الأخطاء فحينئذ تقع الكارثة.

 

المصدر/ العرب القطرية