هل يريد نتنياهو دحلان أم يهدد به؟
8 ربيع الثاني 1435
ياسر الزعاترة

ليس غريبا أن يُجري محمد دحلان اتصالات مع الإسرائيليين، فهو صاحب خبرة طويلة على هذا الصعيد؛ هو وصاحبه الملياردير محمد رشيد (خالد سلام)، كما أنه من نفس المدرسة التي ينتمي إليها محمود عباس، لكن توقيت الاتصالات الجديدة، ومن ثم تسريب أخبارها عبر صحيفة معاريف الإسرائيلية لا تخلو بدورها من دلالات لا بد من التوقف عندها، لاسيما حين تعنون الصحيفة تقريرها بعبارة "الاستعداد لعصر ما بعد أبو مازن".

 

أخبرتنا معاريف بأن مبعوث نتنياهو، ومستشاره المقرب، وهو نفسه الذي يمسك بملف المفاوضات السرية أيضا، المحامي إسحق مولخو قد سافر إلى دبي، ربما أكثر من مرة (هكذا قالت الصحيفة) للقاء محمد دحلان.

 

معاريف قالت أيضا إن "اسرائيل معنية بالحفاظ على العلاقة مع دحلان استعدادا للحظة يعتزل فيها أبو مازن منصبه كرئيس للسلطة الفلسطينية (هل سيعتزل حقا دون تدخل الأقدار؟!). وتجري الاتصالات مع دحلان ضمن أمور أخرى على خلفية التقدير في القيادة الإسرائيلية بأن أبا مازن لن يكون قادرا على التوقيع على تسوية دائمة، ويُحتمل أن يُفشل الصيغة الأمريكية المتبلورة. وهناك في القدس من يعتقد بأن دحلان كفيل بأن يكون شريكا للسلام، خلافا لأبي مازن، بل وأن يجسِّر بين الضفة وغزة"، والكلام لا يزال لمعاريف.

 

وتشير الصحيفة في هذا السياق إلى رسالة بعث بها دحلان للإدارة الأمريكية عام 2010 قال فيها: "أبو مازن غير قادر على إحلال السلام، أما نحن فقادرون على ذلك". وأضاف "لا مفر من استبدال أبي مازن بشخصية قادرة على تحقيق إنجازات".

 

تعيدنا هذه القصة أكثر من عشر سنوات إلى الوراء حين حوصر ياسر عرفات في المقاطعة، وفرضت عليه الضغوط الأمريكية الغربية الإسرائيلية الثلاثي (عباس، دحلان وسلام فياض)، وليتبين بعد ذلك أن الهدف هو التمهيد للتخلص منه اغتيالا، ومن ثم ترتيب الأجواء لقيادة جديدة، وسياسات جديدة في السلطة والمنظمة وحركة فتح لا زال عباس وفيا لها على نحو استثنائي إلى الآن.

 

بمرور الوقت، تمكن عباس من التخلص من الرجلين، ووضع يده على السلطة والمنظمة وفتح بشكل كامل (السلطة تحت ولاية الاحتلال من الناحية العملية)، لكن دحلان ليس كسلام فياض، والإسرائيليون يدركون ذلك تمام الإدراك، وها نحن ننسى عمليا سلام فياض منذ ترك السلطة، بينما يصول دحلان ويجول، ليس كمندوب للجهات التي تشغله على أكثر من صعيد وحسب، بل أيضا كمخلب قط لمشاغلة عباس وحماس في آن، هو الذي يسيطر عمليا عبر المال والعلاقات على تنظيم فتح في قطاع غزة الذي يتبع شكليا لعباس، بينما يمنح ولاءه لدحلان.

 

والحال أن من الصعب الحديث عن خلاف في النهج بين دحلان وعباس، فهما على قلب رجل واحد على هذا الصعيد السياسي، لكن الطلاق وقع لسببين عمليا، الأول خشية عباس من استمرار تلويح الإسرائيليين بدحلان كبديل له، والثاني غضبه من تلميحات وتصريحات دحلان التي تستخف به، وتكيل الاتهامات لأبنائه، هو الذي يبدي حساسية مفرطة تجاه الحديث عنهم.

 

اليوم، ومن خلال هذه الإتصالات الجديدة التي يجريها نتنياهو مع دحلان، فهو إنما يريد تهديد عباس كي يفرض عليه ما يريد، وما يريده يبدو صعبا إلى حد كبير، فما قدمه عباس من تنازلات يبدو هائلا كما كشفت وثائق التفاوض والتسريبات الأخيرة، لكن ما يريده نتنياهو يبدو أكبر بكثير.

 

اللافت أن خبر اتصالات نتنياهو مع دحلان قد جاء بعد يوم واحد من تسرب أنباء عن اتصالات بين الأخير وبين حماس التي تعيش أزمتها الخاصة في قطاع غزة، ولا شك أن الأمرين يرتبطان ببعضهما، أي استخدام الاتصالات مع حماس كجزء من التهديد لعباس أيضا، لاسيما أن أحدا لا يصدق بإمكانية تسوية النزاع بين حماس ودحلان، فضلا عن أن انتماء الرجل لمعسكر الثورة المضادة يجعل من استهدافه لحماس جزءا لا يتجزأ من مهامه.

 

خلاصة القول هي أننا إزاء سيناريو تهديد لعباس لا أكثر، وبالطبع من أجل دفعه نحو مزيد من التنازلات، وفي ظني أن الرجل جاهز لذلك، لاسيما أنه الإخراج المقترح يمكن أن يمنحه فرص القول إنه لم يتنازل، وإن التفاوض سيبقى مفتوحا بشأن المسائل الحساسة، فيما يعلم الجميع أن المؤقت سيغدو دائما بتغييرات طفيفة، بينما يرى القوم أن الاحتفال بحصول الدولة على عضوية كاملة في الأمم المتحدة ستغطي على عورات أي اتفاق، لكن ذلك كله هو ما يخططون له، أما ما سيحدث فحكاية أخرى، لأن فلسطين لن تكون ملكا لعباس ولا لغيره، وستبقى قضيتها حية رغم أية اتفاقات مهما كانت.

 

يبقى سؤال إمكانية تسويق دحلان كبديل، الأمر الذي يشكك فيه كثيرون بسبب حضوره المحدود في الضفة، وهنا يمكن القول إن ذلك، وإن صحّ، فإنه لن يكون عائقا إذا ما تم توفير الدعم العربي له، وفتح التي قبلت بعباس رغ سيرته مع عرفات، وضحالة شعبيته داخل التنظيم، يمكن أن تقبل بدحلان الأكثر حضورا إذا ما أخذ مجموع الحركة في الضفة والقطاع.

إنه التيه الذي دفع أوسلو القضية إليه، وجاء ورثة عرفات ليعززوه، معطوفا على ورطة حماس في السلطة، وهو تيه لن تنهيه غير انتفاضة شعبية تعيد ترتيب أوراق القضية من جديد، أو تحالف جديد ضد المفاوضات من فلسطينيي الداخل والشتات؛ قوىً وشخصيات مستقلة.

 

المصدر/ عربي 21