هل هى حرب عالمية لإبادة السنة؟
9 ربيع الثاني 1435
طلعت رميح

لم يعد بالإمكان الحديث بلغة وألفاظ ملتفة أو منمقة، فمثل تلك اللغة باتت تمثل غطاء لأبشع عمليات قتل وإبادة شاملة، إنسانية وحضارية يشهدها التاريخ المعاصر، هي حرب عالمية حقيقية ضد السنة في كل مكان تقريبا، ولا علاقة لهذا التوصيف بأية لغة أو توصيف طائفي.

من يتلفت بحثا أو فهما أو متابعة لما يجرى في مختلف أنحاء العالم، من حروب تشنها الدول الكبرى ودول إقليمية أيضاً ضد دول أخرى أو أعمال حرب إجرامية تقودها جيوش دول ضد شعوبها أو أعمال تطهير عرقي ضد أقليات.. من يفعل ذلك سيجد نفسه أمام طوفان من أعمال القتل والترحيل القسري للسكان وأعمال الاستيلاء على أراضيهم وهدم للمدن على رؤوس ساكنيها، ويجد أن عداد القتل اليومي يكاد يعلن عدم قدرته على إحصاء ما يجرى منذ سنوات طوال، وسيصدم إذ يرى الحقيقة الماثلة أمامه تقول: إن صنفا واحدا من البشر هو من تجرى ضده كل أعمال القتل والإبادة تلك.. من أفغانستان عبر ثلاثة حروب تبادلت فيها القوتان الدوليتان أدوار استخدام القوة العسكرية الجبارة في القتل والإبادة والهدم، ظل "نوع المقتول واحدا وثابتا".. إلى العراق.. حيث تبادلت قوة إقليمية (إيران) وقوة دولية (أمريكا وبريطانيا)، الأدوار في القتل والإبادة والتدمير للإنسان والمجتمع والدولة لنحو ثلاثين عاما متواصلة، نجد "نوع المقتول واحدا وثابتا"، رغم اختلاف الدول المعتدية ونوع السلاح القاتل.. المقتول هو من نفس النوع المقتول في أفغانستان.
وهكذا كان ما قامت به روسيا ضد مواطني الشيشان، وما قامت به إثيوبيا ضد أبناء الصومال وكيلا عن الولايات المتحدة..

إلى بورما إلى الصين إلى إفريقيا الوسطى إلى نيجيريا، ومن قبل كانت البوسنة والهرسك بمذابحها التي جرت تحت أعين جنود الأمم المتحدة وتحت بصر العالم ومثلها كوسوفا، ومن قبل كانت فلسطين صاحبة المائة عام من القتل والإبادة والترحيل والتهجير وما تزال.
أعمال الإبادة والقتل تلك هي نفسها مهما تعدد القتلة أو اختلفت لغات القتلة، وهى جرائم تجرى في مختلف قارات العالم، وإذ لم نشر إلى أمريكا على أرضها، فلأنها تقوم بدورها في القتل خارج أرضها وتعتبر المسلم المقيم على أرضها إرهابيا يستحق الملاحقة والمراقبة والتنصت عليه ومتابعته.

 

في الوقت الراهن تجري معارك الإبادة في العراق وسوريا، فيقتل الآلاف وتهدم المدن فوق رؤوسهم ويحاصرون بحرب الجوع – التي تعيشها غزة منذ سنوات- دون تحرك دولي، إلا في فتح الطريق وتقديم الدعم لتلك المذبحة البشرية وحالة الإبادة الحضارية الجارية، مع إطلاق تصريحات لتبرئة الذمة ولممارسة الخداع لا أكثر ولا أقل.

 

التصنيف هنا بأن السنة هم من يقتلون وتهدم مدنهم ويجرى نقلهم من الحياة إلى الموت تحت الأرض، ليس تصنيفا طائفيا وإنما هو تقرير واقع وتحديد لنوعية من يقتلون، فالقوات الأمريكية التي احتلت العراق وأفغانستان ركزت ضرباتها العسكرية من قصف الطائرات إلى الدك بالصواريخ على المناطق السنية.. والحال في سوريا، أن المقتول بأيدي وطائرات وصواريخ جيش النظام هم سكان المناطق السنية، والمفارقة هنا أن يجري اتهام من يأتي من السنة من الدول الأخرى لمناصرة السنة في سوريا أو العراق بأنه إرهابي حتى لو عمل تحت قيادة سورية، أما من يأتي لنصرة بشار على خلفية طائفية من لبنان إلى العراق إلى إيران، فالمجتمع الدولي لا يراه، ولا يتحدث عنه، إذ تخلو كل الأقوال والقرارات الدولية والأفعال من أي إدانة له.

 

هي وفقا لهذا الرصد، حرب عالمية ضد السنة، لا يمكن تبريرها بحكاية تنظيم القاعدة أو الحرب على الإرهاب، بل يجب تفسيرها بفتح أبواب أخرى تتعلق بالصراع على الأرض والثروة.. إلخ.
ما يجري هو الترجمة الفعلية لنظرية صدام الحضارات ودراسة نهاية التاريخ.. لا أكثر ولا أقل.