زيارة موسكو.. الاتجاه غرباً
14 ربيع الثاني 1435
أمير سعيد

كثيرة هي المشاهدات التي استرعت انتباه المراقبين قبل وخلال لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، بعضها ما يتعلق بالشكل والبروتوكول وبعضها يتعلق بجوهر وفحوى اللقاءات التي عقدها المسؤولان المصريان، وزير الدفاع ووزير الخارجية في العاصمة الروسية مع المسؤولين الروس.

 

البعض استوقفته ملابس وزير الدفاع، الذي ارتدى ثوباً مدنياً، وآخر عسكرياً، وثالثاً روسياً أهداه إياه الرئيس الروسي، حيث استشفوا من البزة المدنية إشارة واضحة على قرب ترشح السيسي لمنصب الرئاسة، والعسكرية على المهمة المعلنة للزيارة، والثوب الروسي الذي اعتبره البعض بما يحمله من نجمة حمراء إشارة إلى التوجه الأيديولوجي أو البراجماتي للقائد العام للقوات المسلحة المصرية حال تسلمه منصب الرئاسة المصرية.

 

وآخرون لفتتهم تمنيات الرئيس الروسي للسيسي بالتوفيق في تحقيق طموحاته بتولي منصب الرئيس في مصر والنجاح في دوره القادم، واعتبروها محيرة بعض الشيء كون السيسي لم يعلن بعد عن ترشحه للمنصب، واعتبار ذلك ـ مثلما كان من صحيفة السياسة الكويتية ـ "اجتهاداً ذاتياً" لم يصرح به السيسي في حواره معها، وانتقاده لكونه تدخلاً في الشأن المصري، سرعان ما استدعى لمزاً عاجلاً من متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية بأنه لا على بوتين ولا الولايات المتحدة أن تقرر من يكون رئيس مصر القادم!

 

على أن أكثر ما لفت المراقبين في الزيارة التي قيل إن أحد أهم أهدافها هو تطوير السلاح الروسي في مصر هو أن كلمة وزير الدفاع المصري ركزت على فكرة التعاون الأمني، إلى الحد الذي جعل الحديث عن التعاون "الأمني" يسبق التعاون "العسكري" في أكثر من عبارة، بما ترجم تلقائياً إلى معنيين:
ـ الأول: هو أن العقيدة التي باتت تهيمن على الخطاب التعبوي العسكري المصري الآن قد نحت باتجاه "مكافحة الإرهاب" وضرورة التعاون الدولي في هذا الخصوص، لذا فقد أسهب وزير الدفاع في الحديث عن الإرهاب وضرورة التعاون بغية القضاء عليه في "منطقة الشرق الأوسط".

ـ الثاني: هو أنه إذا كان سينجم عن تلك الزيارة شراء معدات وأسلحة روسية؛ فإنها ربما ستكون خاصة بالشأن الأمني المناهض لـ"للإرهاب"، وليست عسكرية قتالية اعتيادية، وبالتالي؛ فإن ما منعه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية عن مصر علناً، ستوفره موسكو دون تقيد بقوانين متشددة بعض الشيء في نقل هذه المعدات والأدوات إلى بلد لم يستقر بعد، ولم يحقق حتى الآن سِلماً داخلياً اجتماعياً وسياسياً. ويعزز ذلك أن مصر وهي تمر بضائقة اقتصادية ليست في وارد تعزيز ترسانتها العسكرية في وقت خفضت فيه "إسرائيل" بالفعل ووفقاً لمعطيات رسمية من نفقاتها العسكرية بنسبة كبيرة منذ الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب د.محمد مرسي.

 

والذي جرى استنتاجه في هذا الخصوص، هو أن النظام المصري الجديد لم يدر ظهره للولايات المتحدة لا كلياً، ولا جزئياً، وإنما سعى لتحقيق عدة أهداف من التقارب الظرفي مع موسكو، منها ما هو "تكاملي"، ويتعلق بطبيعة "نوعية" للأسلحة التي ترغب القاهرة في حيازتها في تلك اللحظة الدقيقة من تاريخها، وهو ما لا تستطيع واشنطن الوفاء به في وقت تواجه فيه انتقادات لمساندتها للنظام المصري الحالي، والذي جاء إلى السلطة بطريقة لا يرضى عنها بعض قادة الرأي بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنها ما هو تعبوي داخلي، ويتعلق بالطريقة التي يراد أن يبدو عليها وزير الدفاع المصري قبل إعلان ترشحه للرئاسة، وهو قدرته على "تنويع مصادر السلاح"، و"والتحدي الظاهري للولايات المتحدة الأمريكية"، وهو ما قد ينجح في رسم صورة نمطية لـ"زعيم" يراد أن يكون على غرار "الزعيم" جمال عبد الناصر، ومنها ما يخص الكيفية التي تريد القاهرة أن تكسر بها عن نفسها سياج العزلة في أعقاب إطاحة مرسي.

 

بالنظر إلى تلكم الأهداف الثلاثة؛ فإن محصلتها تتجه غرباً، حيث تصب جميعها في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية التي تدرك جيداً أن استثماراتها الضخمة بمصر (أكثر من أربعين مليار دولار معونة عسكرية دائمة لمصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد)، وهيمنة التسليح الأمريكي على غيره في مصر، لا يمكن أن تذهب أدراج الرياح بسبب زيارة مبرمجة أو صفقة عابرة، ويمكن استنتاج موافقة ضمنية من واشنطن على هذا التوجه الظرفي الذي يعني مطلقاً أن "مصر اتجهت شرقاً"، وإنما بالتأكيد غرباً مرة أخرى وإن كان هذه المرة عبر بوابة شرقية مساندة..