"بوتين" الزعيم الملهم!
18 ربيع الثاني 1435
خالد مصطفى

يحاول بعض العلمانيين العرب ومعهم آلة إعلامية يقف خلفها مجموعة من رجال الأعمال المعادين للربيع العربي خوفا على شبكة مصالحهم التي ربحوا منها المليارات والمرتبطة بالأنظمة السابقة, يحاول هؤلاء الآن بسذاجة بالغة أن يوهموا جمهورهم أن الاتجاه لروسيا والمنظومة الشيوعية السابقة هو الحل لمشاكلهم وأنها ستساعدهم للخروج من أزمتهم الاقتصادية الطاحنة بعد أن تخلت عنهم أمريكا والغرب...

 

إن الخطاب المبتذل الذي نسمعه من بعض من يسمون أنفسهم محللين استراتيجيين وإعلاميين لتخدير الشعوب والضحك عليها يعود بنا إلى أزمنة بعيدة كنا ظننا أننا تجاوزناها في ظل ثورة المعلومات والاتصالات التي تجتاح العالم وبالتالي لا يمكن إخفاء المعلومات البديهية على الشعوب مثلما كانت تفعل آلة الإعلام اليسارية في حقبة الستينيات عندما كانت تغسل عقول الجماهير وتصدر لهم صورة القائد الملهم القادر على حل كل الأزمات ثم استيقظوا على الفاجعة الكبرى عندما وجدوا أنفسهم في الحضيض الاقتصادي والسياسي وأخذوا يدفعون ثمن كل ذلك حتى هذه اللحظة....

 

يغيب عن هؤلاء عن عمد أو عن غير عمد أن المنظومة الشيوعية السابقة بعد تفككها دخلت في اتفاقات وصفقات مع الغرب ودارت في عجلة الاقتصاد الحر التي تديرها أمريكا وبالتالي لا تستطيع أن تقوم بخطوات واسعة تضر بالمصالح الغربية أو تخترق مناطق نفوذها إلا بتوافق وبضوء أخضر...لم تعد الأمور تجري مثل الماضي حيث كان كل طرف يسعى لجذب بلدان أكثر لدائرته ويقدم لها من التمويل والحوافز المالية والمعنوية ما يجعلها تنضم لحلفه من أجل الضغط على الحلف الآخر وكسب مناطق نفوذ جديدة أما الآن فقد أصبح العالم  يعيش في فلك واحد...

 

الأخطر في ذلك هو محاولة إظهار الزعيم الروسي فلاديمير بوتين في صورة الزعيم الملهم الذي يقف في وجه الغرب وينشر الخير وهي صورة تجافي الحقيقة شكلا وموضوعا فبوتين صنيعة لنظام دكتاتوري استبدادي يتحكم في السلطة بواسطة شبكة من العلاقات الأمنية داخل مؤسسة الجيش والمخابرات مع علاقات قوية برجال أعمال نافذين يسيطرون على الاقتصاد الروسي في ثوبه الجديد وهو ثوب رأسمالي شديد الشراسة...

 

ويمارس بوتين أبشع أنواع القمع للمعارضة منذ توليه السلطة وتعتبر روسيا في عهده من أقل الدول شفافية ومكافحة للفساد ومن أكثر الدول ابتعادا عن تطبيق معايير الحريات العامة, بحسب المنظمات الدولية...إن الصورة التي كانت تنتظرها  الشعوب العربية بعد الثورات المتتالية تختلف تماما عن الصورة التي يقدمها بوتين وجماعته والتي يسعى البعض لترويجها على أنها صورة المستقبل الزاهر..

 

ولا ينسى أحد دور بوتين في الصراع السوري ووقوفه بجانب نظام الأسد القمعي والذي تقوم قواته بذبح الشعب السوري وتحاصره وتقتله بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والتجويع منذ 3 سنوات, رافضا جميع المحاولات التي تحاول فرض عقوبات صارمة من مجلس الأمن عليه حيث يقوم بمده بجميع أنواع الأسلحة التي يحتاجها للاستمرار في غيه وتجبره....

 

بوتين أيضا يضرب مثالا واضحا في أوكرانيا لمن يراهنون عليه في عالمنا العربي فهو يقف مع السلطة القمعية ضد المعارضة ويحرضها على سياستها الاستبدادية,ويدعم موقفها الرافض للمطالب الشعبية... 

 

الأعجب في هذا المشهد أنه يحمل محاولة خداع مزدوجة فهم يوهمون الناس أنهم يقفون في وجه أمريكا ومعاييرها لحقوق الإنسان والديمقراطية في حين أنهم يخطبون ودها في السر ويتباهون إذا صدرت منها تصريحات مؤيدة لمخططاتهم ويصمون المعارضين لمنهجهم المعوج بأنهم عملاء للغرب رغم أن الجميع يعلم من الذي يحتمي بالغرب وينتمي لأفكاره قلبا وقالبا وكان حتى وقت قريب يحرضه على التدخل في شؤون بلاده ويصدر له معلومات كاذبة عن "مكافحة الإرهاب".