4 حلول للتناقض التربوي بين الوالدين
17 جمادى الأول 1435
د. جاسم المطوع

في كثير من الأحيان تقول الأم لطفلها «نعم»، ويقول الأب «لا» أو العكس صحيح، وهذا الاختلاف في «التربية» متكرر في كل بيت، ويزداد الخلاف أكثر كلما كان الزوجان من بيئتين مختلفتين، أو من مذهبين مختلفين، وقد جاءتني زوجة تشتكي من زوجها، الذي لا يحترم ويقدر قراراتها التربوية أمام أبنائها، فقلت لها لابد من عمل نظام تربوي يحفظ علاقتكما الزوجية، ويحقق لكما التناغم التربوي، فقالت وكيف ذلك؟

 

قلت: أولا لنتفق أنه ليس كل اختلاف بينكما أمام الأبناء فهو سيئ، وإنما هناك «اختلاف صحي»، لأن الأبناء يتعلمون منه اختلاف الشخصيات وموازنة الآراء والذكاء في التعامل مع المختلفين، وكيفية التوفيق بين الآراء المتضاربة، وهذه مهارات جيدة، أما الاختلاف الثاني وهو «السلبي»، فهو الاختلاف غير المبني على أساس أو منطق، وإنما بهدف الانتقام، أو فرض الرأي، أو تحقيق مبدأ «أنا هنا»، أوالعناد، ويصاحبه الصراخ والتهديد والشتم، فهذا الاختلاف نتائجه السلبية كبيرة على الأبناء، ومنها الازدواجية في شخصية الأبناء، وعدم معرفة الصواب من الخطأ وضعف الثقة بالنفس، وزيادة الخوف والقلق، وتحطيم القدوة الوالدية والتربية على الكذب والاحتيال.

 

وعادة، التناقض التربوي لا يظهر إذا كان عمر الأطفال أقل من سبع سنوات، لكن الخلاف يظهر بعد هذا العمر، أو في سن المراهقة، ودافع الأم في قراراتها أنها ترجح جانب «الحماية والخوف»، بينما الأب يرجح «التشجيع والإقدام والمبادرة»، ففي هذه الحال يمكن للأم أن تفوض أمر التربية للأب، حتى يأخذ فرصته التربوية، كما أخذت هي فرصتها عندما كانوا صغارا.

 

قالت: ولكن المشكلة عندما يحدث خلاف على شراء هاتف نقال، أو السفر مع الأصدقاء، أو في طريقة اللباس أو الطعام، فكيف نتصرف بهذه الحالة إذا تمسك أحدهما برأيه؟

 

قلت: قبل أن نعرض الحلول لهذه المشكلة لابد أن نفرق بين الخلاف «الديني أو الدنيوي»، لأن القاعدة التربوية تقول إنه يجب الاتفاق بين الوالدين في الأمور الدينية، للحفاظ على استقامة الأبناء وصلاحهم، أما الأمور الدنيوية، فالخلاف فيها أمر طبيعي، والأفضل أن يتم النقاش بين الوالدين، بعيدا عن الأبناء حتى يصلا إلى حل يتفقان عليه، ثم يعلنان القرار لهما، وهذا الحل المثالي للمشكلة، ولكن لو لم يحدث هذا الإجراء وكان الاختلاف أمام الأبناء، ففي هذه الحالة نقدم أربعة حلول ذكية:

 

أولا: أن يتنازل أحدهما ويمرر الرأي الآخر، ولو كان خطأ، لأن تقديم سلامة الأبناء تربويا أفضل من إقامة معركة بين الوالدين تؤثر في صحتهم النفسية، وخاصة الخلاف في المسائل الذوقية أو الدنيوية، كالاختلاف في ساعة النوم أو اللعب أو طبيعة الأكل، ولكن بعد انتهاء الأمر يفتح الموضوع بين الوالدين وحدهما، للوصول إلى اتفاق مستقبلي، حتى لا يتكرر الخلاف العلني، وثانيا: أن يُظهر أحد الطرفين التنازل من أجل الآخر، وفي ذلك تربية جميلة للأبناء، فتقول الأم «أنا موافقة من أجل أبيكم»، أو هو يقول «وأنا مع رأي أمكم وإن كان رأيي خلاف ذلك»، وهذه مبادرة جميلة، وثالثا: ممكن أن يقول أحد الوالدين: نخبركم بالقرار بعد التشاور، ويطلب مهلة للنقاش والحوار وعدم الاستعجال في اتخاذ القرار، ورابعا: استخدام الذكاء والأسلوب غير المباشر، لعلاج المشكلة، وأضرب على ذلك مثالا، فقد حدثتني زوجة، وهي معلمة، أنها عالجت هذه المشكلة من خلال عرض مشكلات الطالبات على زوجها وأخذ رأيه، ثم تقول له في اليوم الثاني إن رأيه كان حكيما وصائبا، فصار زوجها بعد فترة يحترمها ويحترم قراراتها التربوية مع أبنائها، علما بأنه كان لا يعطي لها أي اعتبار في السابق.

 

فهذه أربعة حلول مفيدة ومجربة لعلاج مشكلة التناقض التربوي، ولكن المشكلة تكون أكبر لو كان أحد الوالدين هو نفسه يقول «لا»، ثم بعد أيام يقول «نعم» لنفس العمل، أو يقول «لا» لأحد الأبناء و«نعم» لأخيه، ففي هذه الحالة نحن نساهم في تدمير أبنائنا.

 

فلنحرص على «التناغم التربوي»، ونعمل بمنهج «تعالوا»، فقد أمرنا الله أن نقولها لأهل الكتاب «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا»، فمنهج «تعالوا» مطلوب مع أهل الكتاب، أليس من الأولى أن نعمل به بين زوجين مسلمين، من أجل أن يتفقا ويتجاوزا التناقض التربوي؟

 

 

المصدر/ الكويتية