19 رجب 1436

السؤال

لقد كنت أسمع الأغاني وقد تبت، ولم أكن أعلم بأن ذلك حراما، وأصبحت أسمع القرآن، المهم أنا في مصيبة، لقد كنت في يوم أتحدث في الياهو مع فتاة وأرسلت لها مقطع أغاني شنيع، ولم أفعل ذلك غير مرة واحدة، والآن لم أستطع أن أجدها لأخبرها بتوبتي، فماذا لو كانت تتابع سماع ما بعثته لها، ماذا أفعل أن لا أجد غير الاستغفار وسيلة.. حياتي جحيم وذنوبي ليست قليلة..

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

ما أجمل رجوع العبد إلى الله تعالى وندمه على ما فات من تقصير، وما أجمل تركه لطريق المذنبين العصاة، وما أحوجنا إلى الفرار والعودة، والتوبة الخالصة له سبحانه.
السائلة الكريمة..
أقدم لك الشكر على اليقظة وهي مما أنعم الله تعالى به عليك لاختيارك الطريق الصحيح في هذه الحياة، تلك الحياة القصيرة التي يغتر بها الكثير من الناس، فما أجمل اختيار سماع القرآن الكريم بدلا من المعازف والموسيقى التي هي مزمار الشيطان، فلماذا تصبح حياتك جحيما وقد بدلت السيئات بالحسنات؟
يقول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
فإكثار التوبة من الحسنات، وذكر الله تعالى المتواصل من الحسنات، وتلاوة القرآن من أجمل الحسنات، فالحرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها، وغيرها من الأعمال الصالحة، فهذه كلها طرق لمسح أي ذنوب قد تتوالى عليك.
وقد ذكرت أن ما فعلتيه سابقا كان عن جهل، هاأنت قد عدت وندمت على جهلك وعلى ذنبك، فهل لديك أي شك أن الله تعالى هو خير التوابين وهو أرحم الراحمين، ولعلك تعلمين قصة الرجل الذي قتل مائة نفس عن جهل، وعندما أراد أن يتوب بصدق علم الله تعالى صدق توبته فغفر له، فهذه رحمة الله تعالى على عباده، فهو سبحانه الكريم.
فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أن الإنسان يعذر إذا ارتكب محظوراً وهو جاهل بكونه محظوراً، قال الله تعالى: {... وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:5]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أي وإنما الإثم على من تعمد الباطل. انتهى. وعن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}. قال: ما أتي بعد البيان.
ولكن إذا لم يؤاخذ من وقع في الذنب لجهله فإنه قد يؤاخذ ويأثم بتقصيره في طلب العلم الواجب، ومعرفة ما يحل له وما يحرم عليه
والإنسان إذا ارتكب معصية عن جهل وقد علم من الدين بالضرورة أنها معصية فإنه يأثم بفعله وأيضاً بتركه التعلم، وأما إن كانت مما لا يعلم من الدين بالضرورة فإنه لا يأثم بفعله، ولكنه يأثم بترك التعلم.
ابنتي الكريمة:
إن كل إنسان لا يمكن أن يخلو عن معصية بجوارحه، لكن تقوى القلوب هي الباب الأول التي تقود تقوى الجوارح، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "التقوى ههنا" وأشار إلى صدره.
ولا شك أن هداية القلوب وإضاءة النفس نعمة من الله تعالى يجب الحفاظ عليها والشكر الدائم لها، كي يظل ذلك الضوء، يقول الله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.
ولابد أن تعلمي أن ندمك المستمر على ما فات من علامات التوبة الصادقة وصلاح النفس والقلب، فعليك أن تحمدي الله تعالى ليلا ونهارا، الذي أبكاك على ما فات، بدلا من العيش سعيدة في ظل معصية عن جهل.
ولقد صدق أبو سليمان الداراني حيث يقول: "لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على تفويت ما مضى منه في غير طاعة لكان خليقا أن يحزنه ذلك إلى الممات، فكيف بمن يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من جهله".
وأما الأمر الهام الذي لابد أن تنتبهي إليه أن الشيطان اللعين يحاول الدخول إليك من هذا الباب ليعكر صفو توبتك، ويعكر صفو حياتك الجديدة المليئة بالإيمان وتلاوة القرآن الكريم، فلا تدعي له الفرصة لذلك، ولكن كوني أقوى منه، وعليك بالاستعاذة دائما من الشيطان الرجيم عندما ينتابك ذلك الألم والحزن، لأن الإيمان يجعل القلب دائما سعيدا مطمئنا وليس حزينا متألما.
كما عليك بكثرة الدعاء لتلك الصديقة – إن كنت بالفعل لا تستطيعين الوصول إليها - التي أرسلت لها هذا المقطع الموسيقى بأن يتوب الله عليها وينير قلبها كما أنار قلبك.
وعليك إحسان الظن بربك الكريم قابل التوب، يقول الله سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر 53].