هل يستطيع مسلمو القرم تقرير مصيرهم؟؟
29 جمادى الأول 1435
د. عامر الهوشان

بغض النظر عن كونهم سكان شبه جزيرة القرم الأصليين كما تشير جميع الدراسات والبحوث العلمية , بل إن البرلمان الأوكراني تبنى منذ أيام مشروعا يعتبرهم السكان الأصليين بالفعل لتلك المنطقة التي تعتبر من أول المناطق الصالحة لحياة الإنسان , فإن حق تقرير المصير الذي تزعم الدول الغربية والعالم تبنيه يؤكد هذا الحق ويدعمه ويؤيده .
وحق تقرير المصير - كما هو معلوم - مصطلح ابتدعه الغرب بعد الحرب العالمية الأولى , ويشير إلى حق كل مجتمع ذا هوية جماعية متميزة – شعب أو مجموعة عرقية – بتحديد طموحاته السياسية , وتبني النطاق السياسي المفضل من أجل تحقيق هذه الطموحات , وإدارة حياته الاجتماعية دون تدخل خارجي أو قهر من قبل شعوب أو منظمات أجنبية .
وعلى الرغم من انتقائية الغرب في تطبيق هذا الحق – تقرير المصير – على الشعوب والمجموعات العرقية , حيث يتم الأخذ بهذا الحق بحذافيره إذا تعلق الأمر بأتباع الغرب وأنصاره وحلفائه وإن كانوا أقلية , بينما يتم التغافل عن تطبيقه على المسلمين بالرغم من كونهم أكثرية , إلا أن ذلك لم يمنع الشعوب والأعراق المسلمة بالمطالبة بهذا الحق , تأكيدا على أحقيتهم في ذلك أسوة بغيرهم , وإظهارا لازدواجية الغرب في تطبيقه لشعاراته ومبادئه الزائفة .
ومن هذا المنطلق عقدت الجمعية الوطنية لتتار شبه جزيرة القرم اجتماعاً فى مدينة "أق مسجد" أمس ، و أعلنت البدء فى العمل على نيل الاستقلال الوطنى للتتار المسلمين بالجزيرة , كما ناقش الاجتماع حق تتار القرم بتقرير مصيرهم عقب ضم الاتحاد الروسى لشبه الجزيرة وإعلانها جمهورية مستقلة .
وقال رئيس المجلس الوطني لتتار القرم "رفعت تشوباروف" في افتتاحية اجتماع الجمعية : "نعلن لجميع الأطراف أننا بدأنا العمل على نيل استقلالنا على أرض وطننا التاريخي"، لافتاً إلى أن أجندة الاجتماع تتضمن مشروع قرار متعلق بتحديد الهوية الوطنية لتتار القرم , كما أن مفتي القرم "حاجي أمير علي أبلاييف" طالب التتار بعدم مغادرة القرم بعد سيطرة روسيا عليها .
والحقيقة أن هذه الخطوة تأتي في الاتجاه الصحيح نحو تأكيد حق مسلمي القرم بتقرير مصيرهم , وخاصة بعد إقدام روسيا على ضم شبه الجزيرة إليها بقوة السلاح رغم معارضة مسلمي القرم لذلك , ومقاطعتهم للاستفتاء الشكلي الصوري الذي لجأت إليه روسيا لإضفاء الشرعية على احتلالها للقرم .
وقد وصف "تشوباروف" الاستفتاء الذي تم إجراؤه في القرم بأنه انتهاك للمعاهدات الدولية، وانتهاك لإعلان الأمم المتحدة المتعلق بحقوق السكان المحليين ، حيث تم إجراؤه دون استشارة تتار شبه الجزيرة باعتبارهم السكان المحليين .
وعلى الرغم من كون مطالبة تتار القرم تقرير مصيرهم يأتي متناغماً مع المعاهدات الدولية وقرارات الأمم المتحدة كما ذكر "تشوباروف" ، مؤكداً أن استقلال تتار القرم سيتم على مبدأ الاحترام المتبادل ، بالتساوي مع حقوق الشعوب الأخرى التي تعيش في شبه الجزيرة ، إلا أن ذلك لا يعني أن نيل المسلمين لهذا الحق سيكون سهلا أو ميسرا .
فمن المعلوم أن الدول الأوربية وأمريكا وروسيا مجمعون على مبدأ العداء للإسلام ومحاربة المسلمين أينما كانوا , وإن بدا في الظاهر أنهم مختلفون على قضية ما فهو اختلاف مصالح لا اختلاف مبادئ , فإذا ما تعلق الأمر بالمسلمين وجدت الجميع متفقون ضدهم وإن أظهروا عكس ذلك بفعل متطلبات السياسة والدبلوماسية والخداع .
نعم ..قد يكون الغرب غير راض عن خطوة ضم روسيا للقرم بهذه الطريقة وهذا الأسلوب , إلا أن ذلك لا يعني أن يقف الغرب مساندا لحق مسلمي القرم بتقرير مصيرهم , اللهم إلا إن كانوا يخفون خلف هذا التأييد مكيدة أو فخا للمسلمين , فالشيطان لا يمكن بحال من الأحوال أن يدعم توجه المسلم لأداء طاعة وعبادة لله تعالى إلا إن كان يجره من خلالها إلى معصية أو منكر أشد .
وإذا ما استعرضنا اتصال الرئيس الروسي هاتفيا بنظيره الأميركي لبحث اقتراح أميركي لإيجاد مخرج للأزمة في أوكرانيا أول أمس الجمعة , ثم كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس عن تقارب وجهات النظر الروسية والغربية بشأن الأزمة الأوكرانية , موضحا أن لقاءه الأخير بوزير الخارجية الأميركي جون كيري في لاهاي واتصالاته مع ألمانيا وفرنسا ودول أخرى تشير إلى إمكانية تقديم مبادرة مشتركة إلى أوكرانيا , مطالبا أن يتم "العمل جماعيا" للخروج من الأزمة , ومقترحا إقامة "نظام فدرالي" في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة , فإن ما ذكرناه عن إمكانية التقارب والتفاهم بين دول العالم على حساب المسلمين وارد , بل محقق ومجرب تاريخيا .
إن تحقيق طموحات وآمال مسلمي القرم بتقرير مصيرهم يحتاج إلى دعم ومساندة إسلامية , فالدول لا تفهم لغة الاستجداء والمطالبة بالحقوق مجردة عن القوة المادية العسكرية والاقتصادية , وإنما تفهم لغة تهديد المصالح والوجود , ولا يبدو أن الدول العربية والإسلامية في وارد القيام بدور فعال في هذا الإطار لدعم تنفيذ مطالب مسلمي القرم بتقرير المصير , على الأقل في الوقت الراهن .
فإلى متى ستبقى آمال المسلمين في العالم معلقة على عودة ذلك المارد الجبار الذي يسمى "وحدة المسلمين" ؟!