مقعد "بوتفليقة" المتحرك!
18 جمادى الثانية 1435
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

قد يبدو العنوان صادم بعض الشيء وكأننا نهزأ من مرض رجل في أواخر العمر ولكن الحقيقة هي أبعد ما تكون عن ذلك فلو كان بوتفليقة قد اعتزل العمل السياسي بسبب ظروفه الصحية وأصرعلى أن يحضر لكي يدلي بصوته في انتخابات بلاده رغم مرضه لكنا قدرنا له ذلك لا شك, أما أن يأتي أحد المرشحين للرئاسة في بلد ما على مقعد متحرك بعد عام من العلاج إثر أزمة صحية عنيفة ظل خلالها بعيدا عن الإعلام والشعب إلا في مرات قليلة خرج وهو في حالة من الضعف وثقل اللسان والحركة فهو الأمر المستغرب بشدة..

 

الأدهى من ذلك أن الدستور الجزائري كان لا يسمح بتولي الرئاسة أكثر من 3 ولايات فما كان من بوتفليقة إلا أن عدله لكي تتاح له الفرصة لكي يترشح لمرة رابعة..معظم  دول العالم تشترط  خضوع المرشحين للرئاسة لفحص طبي دقيق قبل قبول ترشحهم حتى وإن كان مظهرهم الخارجي يدل على كامل الصحة والعافية؛ فهل خضع بوتفليقة لمثل هذا الفحص؟!إن الكثيرين في الجزائر رفعوا رايات الاحتجاج على ترشح بوتفليقة بسبب تدهور حالته الصحية وخضوعه للعلاج لفترة طويلة في الخارج دون أن يحدث تحسن واضح في حالته بل ظهر كثيرا وهو يعاني من صعوبة الكلام والحركة ومع ذلك أصر بوتفليقة ومن حوله على الدفع به في أتون معركة تحتاج لمجهود كبير فيا ترى لماذا هذا الإصرار؟! إن الجزائر مثلها مثل معظم الدول العربية تعاني من أوضاع اقتصادية سيئة وتحتاج إلى جهد بالغ من أجل تحقيق النمو الكافي لمواجهة أزمة البطالة المتفشية والتي أدت لاضطرابات عنيفة واشتباكات بين العاطلين عن العمل وقوى الأمن...

 

البعض يتحدث في الجزائر عن ارتياح الجيش لطريقة العمل التي يقود بها بوتفليقة البلاد لذلك هو يسانده بقوة ويقف بجانب توليه لمرة رابعة, ويشير هؤلاء إلى أن بوتفليقة يطلق لقيادات الجيش حرية التصرف في الأمور الخاصة بالتسليح وإنفاق الأموال مما يعطيهم ميزة عن غيرهم من فئات الشعب كما أن بوتفليقة يرتبط بعلاقات قوية برجال الأعمال الذين يسيطرون على عصب الاقتصاد الجزائري والذين يحصلون على امتيازات من الحكومة قد لا يجدونها مع غيره...إن تحالف رجال المال والأعمال مع الجيش لدعم مرشح ما للرئاسة ليست بعيدة عن عدة دول عربية تعاني من نفس الأزمة وهو أمر يجعل من الصعب تحقيق النهضة القوية التي تعود بالنفع على كافة المواطنين لأنهم خارج هذه الدائرة الضيقة...

 

البعض يشيد ببوتفليقة لأنه أبعد الجزائر عن ثورات العالم العربي ولكن الحقيقة أن الجزائر بدأت ثورتها قبل الجميع عندما أطاحت بالحكم الفاسد عام 1992 بشكل سلمي قبل أن يتدخل الجيش ويشن حربا شعواء على التيار الإسلامي الذي فاز في الانتخابات العامة وقتئذ ودخلت البلاد في نفق مظلم لسنوات طويلة ثبت بعدها تورط العديد من أجهزة الاستخبارات الغربية فيما كان يجري على أرضها وكيف تم اختراق بعض الجماعات لتشويه صورة التيار الإسلامي ودفع البعض الآخر للعنف...الجزائر لا تبدو مستعدة لثورة في العشرين عاما الأخيرة أكثر من هذه الفترة التي تعيشها الآن ولعل البعض يتذكر انتخابات البرلمان المصري في عام 2010 والتي كانت سببا قويا في اندلاع ثورة يناير ضد نظام مبارك والذي كان يعاني من تغييب لراس النظام على حساب نجله والمجموعة المحيطة به وقتها وهو وضع يشبه ما يجري الآن في الجزائر فبوتفليقة لا يمكن أن يقبض على الحكم بوضعه الصحي القائم وبالتالي هناك من يدير البلاد لمصلحته من المجموعة المحيطة ببوتفليقة وهي ترتاح لوجود بوتفليقة كواجهة حتى لا توجه لها أية اتهامات في حال حدوث ثورة أو احتجاجات واسعة ...

 

قد تكون الثورات العربية قد فشلت حتى الآن في الوصول لما تريده الشعوب منها ولكن المؤكد أنه لا أمل لهذه الشعوب في نهضة حقيقية سوى بكسر هذا التحالف الضيق المسيطر على السلطة لانه لا يهتم إلا برفاهيته ومصالحه فقط ومن هنا كان قتاله المستميت لإعادة الأوضاع على ما كانت عليه في دول الربيع العربي.