لماذا كل هذا الغزل بالنصارى ؟؟
21 جمادى الثانية 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

على الرغم من بشاعة جرائم طاغية الشام بحق الشعب السوري الثائر دون تمييز بين مسلم وغير مسلم ما دام يعارض نظام الحكم الأسدي , إلا أن غالبية قساوسة الكنائس والأديرة السورية ما زالوا إلى الآن يؤيدون النظام السوري , أو على الأقل لا يتعاطفون مع الثورة السورية , فضلا عن مساندتها أو دعمها ماديا أومعنويا .
ولا يخفى على أحد موقف مجمل الكنائس السورية التي تغدو ميالة إلى الماسكين بزمام السلطة - رغم تظاهر بعضهم بالوقوف على الحياد - كما أن تصريحات بعض رجالات الكنائس السريانية والأرثوذكسية السورية عن تأييدها لحكم بشار ، والخوف والتوجس من المستقبل , يؤكد موقف الكنيسة الرسمي المناهض وغير المؤيد لثورة الشعب السوري .
ولعل التصريح الأكثر شهرة في هذا الإطار هو ما أعلنه البطريرك الماروني بشارة الراعي خلال مؤتمر أساقفة فرنسا قبل عامين حيث قال : ( كنت آمل لو يعطى الأسد المزيد من الفرص لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي بدأها ) واصفا طاغية الشام بأنه ( إنسان منفتح تابع دراسته في أوروبا، وتربى على المفاهيم الغربية لكن لا يمكنه القيام بمعجزات لوحده) , لينهي تصريحه بقوله : ( إن الأكثرية الثائرة في سوريا إن انتصرت على حكم الأسد، فسيثير ذلك اعتزاز أهل السنة بلبنان، ويزيد من إمكانيات استهداف المسيحيين من جانب الأصوليين منهم ) .
وعلى الرغم من أن نظام البعث السوري كان من أكثر الأنظمة دموية ووحشية في سلوكه مع الأقليات والطوائف السورية , حيث شن حملة تصفيات جماعية منذ انقلابه عام 1963م استهدفت القيادات المدنية والعسكرية : السنية، والدرزية، والإسماعيلية داخل مؤسستي الحزب والجيش ، وأعقبتها مرحلة من التصفيات العشائرية داخل الطائفة العلوية نفسها , حيث استبعدت فيها عشائر الحدادين والخياطين وركزت السلطة بيد المتاورة , إلا أنه وعلى مدار أربعة عقود من الزمان حاول نسج ونشر أسطورة "الحامي والراعي للأقليات" في سورية .
وإذا كان تعامل النظام البعثي مع الأقليات غير النصرانية بهذه الوحشية , فإنه يحاول منذ زمن اللعب بورقة الأقلية النصرانية ذات الحساسية والأهمية بالنسبة للغرب , من خلال التقرب منهم ومشاركتهم في أعيادهم كما حصل بالأمس من خلال زيارة بشار لبلدة معلولا ذات الغالبية النصرانية .
فقد بثت وسائل إعلام النظام السوري مشاهد من زيارة بشار أمس بلدة معلولا شمال دمشق ، والتي استعادت مليشياته السيطرة عليها قبل نحو أسبوع بمناسبة عيد الفصح , كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية خبرا بثّه التلفزيون السوري قال فيه "في يوم قيامة السيد المسيح ومن قلب معلولا، الرئيس الأسد يتمنى فصحا مباركا لجميع السوريين وعودة السلام والأمن والمحبة إلى ربوع سوريا كافة".
وبغض النظر عن حقيقة قيام طاغية الشام بهذه الزيارة من عدمها , حيث تشكك قوى المعارضة السورية بهذه الزيارة , معتبرة الصور مفبركة ومأخوذة من زيارة سابقة عام 2008م , بدليل تطابق لباس الأسد في كلا الزيارتين , فإن الزيارة تشير إلى محاولة طاغية الشام العزف على وتر الأقليات السورية – وخاصة النصرانية – لكسب مزيد من تأييد الغرب ودعمه في ترشحه لولاية رئاسية جديدة , وذلك بعد أن حدد رئيس مجلس الشعب السوري محمد جهاد اللحام اليوم الاثنين موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في الثالث من يونيو/حزيران المقبل، مشيرا إلى أن باب الترشح للانتخابات سيبدأ غدا الثلاثاء .
وعلى ما يبدو فإن النظام السوري يحاول استثمار التأييد اليهودي له في بقائه في السلطة وترشحه لولاية ثالثة , مع وجود توجه غربي لقبول ذلك بعد فشله في السيطرة على الجيش الحر والكتائب المقاتلة على الأرض السورية , وخوفه من وصول الإسلاميين إلى الحكم على تخوم الاحتلال الصهيوني .
كما أن النظام السوري يحاول تمثيل نفس الدور الذي كانت الدول الغربية الاستعمارية تقوم به للتدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية ومن ثم احتلالها , وذلك من خلال ولوج باب حماية الأقليات الكاذب , الذي جر على الشعوب الإسلامية ويلات وحروب لم تندمل جروحها بعد .
وعلى الرغم من أن الوثائق الغربية تعج بالأمثلة على حماية حقوق الأقليات في ظل حكم الأكثرية السنية , ومن ذلك ما ذكره القنصل البريطاني شون بتاريخ 27 إبريل 1945، تحت عنوان : "مستقبل الطوائف في الجمهورية السورية بعد الاستقلال" والذي تحدث عن تسامح الأغلبية في المجتمع السوري مع "الأقليات" بقوله :
"المسلمين السنة يتعاملون بتسامح ظاهر مع الأقليات إلى درجة أن تمثيل النصارى في البرلمان السوري أكبر بكثير من حجمهم في المجتمع السوري، بل إن رئيس الوزراء (فارس الخوري) هو من النصارى البروتستانت، وكذلك فإن اثنان من الأعضاء الثلاثة في الوفد السوري بمؤتمر سان فرانسيسكو هم من النصارى" .
إلا أن الغرب يتعامى عن كل ذلك ويحاول إضفاء صفة "حماية الأقليات" للنظام البعثي الأسدي في سورية , الذي لا يتسع سجله الإجرامي بحقوق الأقليات الكردية لكتابة كلمة واحدة أو حرف واحد , فقد منعهم هذا النظام من بيع عقاراتهم وأراضيهم وفق المرسوم 49 الذي أصاب الحياة الاقتصادية في مناطق الجزيرة بالشلل , بالإضافة لحرمانهم من حقوقهم المدنية، كالحصول على الجنسية السورية، وتسجيل أبنائهم في المدارس، والتوظيف، والحصول على هوية أو جواز سفر، والتمتع بالرعاية الصحية .
لم تكن مغازلة طاغية الشام لنصارى سورية في يوم عيدهم هي الوحيدة في دول الربيع العربي , فقد زار المشير عبد الفتاح السيسي المرشح لانتخابات الرئاسة في مصر الكنيسة للتهنئة بعيد القيامة , وهو ما يجعل طرح التساؤل مشروعا : لماذا كل هذا الغزل بالنصارى ؟؟!!