نتيجة التغافل عن الخطر الحوثي
23 جمادى الثانية 1435
د. عامر الهوشان

مع أن المنطق والعقل يقول بأن الأفعال تغني عن الأقوال , وأن المقدمات تفضي بالضرورة إلى النتائج , إلا أن الحكومة اليمنية لم تنصت لصوت العقل فيما يخص الخطر الحوثي , الذي كان يهدد كيانها ووجودها منذ تحركاته العدوانية الأولى وسيطرتها على محافظة صعدة منذ ثلاث سنوات بقوة السلاح .
وبينما كان الواجب عليها حينها إيقاف ذلك الخطر وهو في مهده وبداياته , راحت تتغافل عن ذلك بصراع وهمي مع ما يسمى "إرهاب القاعدة" , الذي لا يساوي معشار إرهاب الحوثيين الذي بات قاب قوسين أو أدنى من العاصمة , بل ها هو يهدد الدولة اليمنية من خلال طلب رسمي بتقاسم السلطة , مع لهجة تهديد واضحة المعالم .
لقد كشف الحوثيون للمرة الأولى عن وجههم العدواني والتوسعي القبيح رسميا , و طلبت الجماعة من الرئيس/ عبدربه منصور هادي "مقاسمتهم السلطة" وإشراكهم في "المحاصصة" والتقاسم , في مشهد يذكرنا بحزب الله في لبنان , وكيف أصبح هذا الكيان المصطنع التابع لإيران خلال بضع سنوات , هو المهيمن والمسيطر على لبنان سياسيا وأمنيا وعسكريا .
ومن يقرأ ويتمعن كلمات الرسالة الرسمية المطبوعة التي أرسلها الحوثيون للرئيس اليمني , والتي نشرتها مواقع إلكترونية اعلامية مقربة من الجماعة , يلحظ دون عناء تجاهل الحوثيون – عن عمد - تدوين اسم الرئيس المشير/ عبد ربه منصور هادي ـ رئيس الجمهورية ـ في رسالتهم إليه , مخاطبين إياه مخاطبة "ندية" بمراسيم مخاطبة دولة داخل الدولة , وليس مخاطبة جماعة أو فئة تحت سلطة الدولة :
"الأخ/ رئيس الجمهورية المحترم تحية طيبة وبعد :
احتجاجا على أي إجراء يتعلق بالانتخابات والاستفتاء يتم في ظل اعتماد السجل القديم وتجاهل مكون "أنصار الله" , سواء فيما يخص تشكيل اللجنة العليا أو أي لجان أصلية أو فرعية أو غير ذلك من الاجراءات بهذا الخصوص , كون ذلك يتنافى مع مفهوم الشراكة ومخرجات الحوار ومقتضيات المرحلة التأسيسية والاتفاقات المبرمة , ولا يخدم عملية المصالحة الوطنية , ويؤدي لمزيد "من تأزم الوضع" الناتج عن استئثار أطراف معينة بتسيير العملية الانتخابية والاعداد لها والإشراف عليها وما يرتبط بها .
وعليه : فإننا نحملكم والأطراف المعنية مسؤولية ذلك وما يترتب عليه "
كما يلحظ القارئ في هذه الرسالة المكونة من بضعة أسطر الخطاب الاستعلائي المتمرد , من خلال عبارات ومعاني الوعيد و الإنذار والندية والغطرسة والاستعلاء النزق , والتهديد بإنفاذ رغباتهم و تلبية مطالبهم تفادياً لما وصفوه بـ "المزيد من تأزيم الوضع" .
كما أن الرسالة تشير من خلال التلميح بإمكانية إجهاض العملية السياسية - وفي صلبها عمليتا إجراء الاستفتاء على الدستور والانتخابات - إذا لم تلب مطالب الجماعة , كما وصل الأمر لذروته - وفق المراقبين - عندما خاطب الحوثيون رئيس الدولة اليمنية بقولهم : "نحملك المسئولية وما يترتب عليها" .

والحقيقة أن فحوى هذه الرسالة ومضمونها التهديدي للدولة اليمنية لم يكن مستبعدا أو غير متوقع , فكثير من الوقائع والأحداث السابقة كانت تشير بوضوح إلى قرب هذه المرحلة , إلا أن الحكومة اليمنية تغافلت عن هذا الخطر الظاهر للعيان منذ فترة , ولم تتعامل معه بشكل صحيح يتناسب مع حجمه و سوء عاقبته باليمن .
بل إن تصرفات الحكومة اليمنية كان يثير الكثير من الاستغراب وعلامات الاستفهام , فبينما كان الحوثيون يتوسعون ويسيطرون على بلدة إثر أخرى شمالا, كانت ردة فعل الدولة اليمنية مقتصرا على الوساطات التي انتهكتها الجماعة أكثر من مرة باعتراف رؤساء هذه الوساطة المكلفين من قبل الدولة , دون أن يكون للدولة ردة فعل قوية إزاء هذا الاستهزاء والتضييع لهيبتها وسيادتها .
كما أن جماعة الحوثي رفضت الدخول في العملية السياسية والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن علنا , وحكمت مدينة صعدة بقوة المليشيات والسلاح والأمر الواقع منذ نحو ثلاث سنوات بعيدا عن سلطة الدولة الشرعية , بل وامتدت لتأخذ المدن والقرى السنية بقوة السلاح حتى وصلت إلى مشارف العاصمة صنعاء .
وبالإضافة لكل ما سبق فإن انشغال الحكومة اليمنية بمواجهة ما يسمى "القاعدة" في جنوب اليمن ووسطه بالتحالف والتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية , فتح الباب على مصراعيه أمام أطماع الحوثيين التوسعية , الذين لم ينالهم شيء من صواريخ أمريكا رغم خطرهم المحدق بالدولة اليمنية التي تدعي أمريكا الدفاع عنها في حربها المعلنة على "إرهاب القاعدة" .
وفي الختام نأمل أن تواجه الدولة اليمنية هذا الخطر المحدق الذي وصل إلى رمز حكومتها من خلال رسالة التهديد الحوثية لرئيس الجمهورية اليمنية قبل فوات الأوان , حيث لا يفيد الندم ولا ينفع .