المواطن الصحفي.. يواجه الإعلام الزائف
9 رجب 1435
علا محمود سامي

إن من أبسط حقوق المتلقين لما تبثه الوسائط الإعلامية المختلفة أن تقدم لهم المعلومات و الحقائق، لتضعها بين أيديهم، مخاطبة بها عقولهم، دون تزييف أو تهويل أو تهوين.

 

ولا يدخل ذلك في باب الرفاهية ولا التفضل، ولكنه حق أصيل للمتلقي، أيا كان نوعه أو توجهه، فالمعلومة ينبغي أن تكون مجردة، وبعيدة كل البعد عن أي شكل من أشكال التحوير والتشويه، أو التطويع لحساب طرف على حساب آخر، علاوة على هذا كله، فإن الوسائط الإعلامية أساساً ينبغي أن تتوفر فيها الأمانة المهنية، إعلاء لدورها، وصوناً للرسالة التي تؤديها.

 

هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن تكون راسخة في أوساط أجهزة ووسائل الإعلام المختلفة، نجدها اليوم تنقلب إلى النقيض في ظل حالات التشويه والتسطيح التي تمارسها بعض الدعايات الإعلامية، والتي تخرج عن كونها وسائل إعلامية ينبغي أن تكون هادفة، ما يجعلها وسائل دعائية، لا تنحاز إلى المتلقي، لتتجاوزه باحثة عن أهداف عدة خرجت من أجلها، لا يتسع المجال هنا لذكرها، سوى التأكيد على أنها تجعل من نفسها دعاية إعلامية، تستهدف استمالة المتلقين، لخدمة ملاكها، وتحقيق أهداف عدة على حساب حق المتلقي في المعرفة، علاوة على تجاوز الدور المهني.

 

فهذه الوسائط المختلفة تؤدي دورا بالوكالة عن الغير، دون الهدف الأساسي الذي ينبغي لها وهو أن تكون مرآة عاكسة لما يدور حولها في الواقع بكل ما فيه سلبا أو إيجابا، إذ إن مهمة الإعلام نقل ما يدور في محيطه، وليس تهويله أو تهوينه، فالخبر الصحفي على سبيل المثال، هو الخبر المجرد من أية أبعاد أو توجهات، لينقل كما هو بكل تفاصيله ووقائع حدوثه إلى المتلقي.

 

ويتجاوز الأمر الفضائيات الإخبارية الى غيرها من المحطات الاعلامية التي تقدم المعلومة إلى متلقيها، إذ يشترط فيما تقدمه المصداقية والمهنية. ولا يعني الأمر هنا بحرفية الإعلاميين أنفسهم، بل قد تكون هذه المهنية مدعاة لقلب كل الحقائق لتشويهها وتقديمها إلى المتلقي في صورة خادعة، ومغايرة عن أصولها المهنية، ما قد يجعل هذه الحرفية أحد المفردات الفاعلة في عملية التسطيح والتشويه والهدم التي تمارسها مثل هذه الوسائل.

 

ومن المفارقة أن نجد إعلاميين في عالمنا اليوم، وفي ظل تحولاته المتسارعة، حيث أصبحت المعلومات على درجة كبيرة من الانتشار، يخادعون أنفسهم بصورة أو بأخرى، فيخدعون متلقيهم بعلم أو عن جهل، دون إدراك بأن هذا الفضاء الواسع أصبح ذاخرا بالعديد من الوسائل والأجهزة الإعلامية، ما يجعل المعلومة فيه سهلة الانتشار، وأنه لم يعد أحد يستطيع احتكارها، باستثناءات محدودة فيما هو حصري، وربما تكون هذه الاستثناءات نادرة، بعد أن أصبح حجب المعلومات أو تزويقها أو حتى تزييفها عسيراً في هذا الفضاء الواسع المفتوح، الأمر الذي يجعل الوسائط الإعلامية على المحك، وأمام اختبار صعب لدى متلقيها، وربما هذا ما لا تدركه كثير من الدعايات الإعلامية، التي تعتبر نفسها صاحبة الحق في مثل هذه المعلومات، فتقدمها لمتلقيها إما بحجب أجزاء أساسية من الصورة أو بتزييفها أو تشويه معالمها، مستغلة في هذا الأمية المتفشية نسبياً في جمهور المتلقين.

 

غير أن الذي لم تفطن إليه كثير من المحطات الفضائية على سبيل المثال، أن المواطن نفسه يمكن أن يكون صحفيا، على نحو قيام بعض الأشخاص بتحرير أخبار بأنفسهم، ونشرها عبر صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة. الأمر الذي يعزز من روح تداول المعلومات ودقتها عبر وسائل مختلفة كمقاطع الفيديو مثلا بين جمهور مثل هذه الصفحات، بعدما أضحى يستخدمها طيف واسع من المتلقين، بل صار في العمل الأكاديمي من يدرس لطلابه داخل قاعات الدرس ظاهرة "المواطن الصحفي"، وأهمية الظاهرة، ومدى تأثيرها في أوساط الحقل الإعلامي.

 

كل هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الحقيقة يسهل الحصول عليها، عن طريق تدفق المعلومات عبر وسائل متنوعة، وأن من يسعى إلى حجبها، أو العمل على تشويهها هو فقط من سيخسر نفسه وضميره ومهنيته، ولذلك نسمع ونشاهد حاليا إعلاميين يقومون بلي عنق الحقيقة لحساب وخدمة توجهات بعينها، دون اكتراث بالضمير المهني أو حق المتلقي في المشاهدة والاستماع.

 

من كل هذا يتبين أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن المنصة الإعلامية أيا كانت حِرَفية مقدميها في الاختلاق والتزوير وخداع المتلقين، فإن هذا لن يلقى قبولا لدى الجمهور، وإذا خدعت بعض الناس بعض الوقت فإن هذا لن يدوم..

 

إن إبراز الحقيقة بصورتها كما هي، هو المفيد لتحافظ المنصة الإعلامية على جماهيرها، أيا كانوا، وأيا كانت انتماءاتهم، وعليها أن يكون شعارها هو المهنية والأمانة والصدق. فعندها فقط تحتفظ الوسيلة الإعلامية بجمهورها، وتحافظ على استمرارية وجودها وسمعتها في هذا الفضاء الإعلامي الواسع.