ماذا يحدث في ليبيا ؟
18 رجب 1435
د. عامر الهوشان

لا يبدو أن الأطراف والقوى السياسية في ليبيا قد تعلمت من دروس تجربتها السياسية بعد رحيل نظام معمر القذافي منذ عامين , ولا يبدو أنها تعلمت من دروس تجارب ما حصل في بعض دول "الربيع العربي" المجاورة لها , حيث لا يزال التوتر والاضطراب وعدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي سيد الموقف هناك , بعد عزل أول رئيس منتخب في 3 يوليو الماضي , بسبب عدم توافق القوى السياسية , وتفضيل بعضها سياسة إقصاء الآخر بدل التوافق معه فيما يصلح شأن البلاد والعباد .
والظاهر أن القوى الليبرالية والعلمانية الموالية للغرب ضمن المؤتمر الوطني وخارجه تسعى لواحد من اثنين , إما حل هذا المؤتمر – مع أنه المؤسسة السياسية الوحيدة المنتخبة في البلاد – وترك البلاد تغرق في الفوضى أكثر فأكثر , وإما تعطيل عمله وإظهاره بمظهر الفاشل , من خلال عدم الإصغاء لمطالبات بعض التيارات السياسية بالمؤتمر لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة , تقود البلاد إلى الاستقرار عبر تعبير الشعب الليبي عن إرادته الحرة فيمن يتولى قيادته سياسيا في المرحلة المقبلة من خلال صناديق الاقتراع .
ولعل أكثر ما يثير القلق في المشهد الليبي هو الانفلات الأمني الناجم عن وجود مجموعات مسلحة خارج سلطة الحكومة والجيش والدولة , والتي تسببت عبر العامين الماضيين بكثير من المواجهات والنزاعات المسلحة , ولعل من أبرز هذه المجموعات أنصار "خليفة حفتر" اللواء المنشق .
فقد أكدت مصادر محلية في مدينة بنغازي الليبية أن 18 شخصا على الأقل قتلوا وأصيب 93 آخرون في اشتباكات بين كتيبة 17 فبراير التابعة للثوار , وعسكريين منشقين تابعين للواء المنشق خليفة حفتر .
وعلى الرغم من وصف الحكومة الليبية تصرفات القوات العسكرية التابعة لحفتر بغير الشرعية , حيث قال رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الله الثني : إن القوات المسلحة التي تحركت صباح الجمعة في مدينة بنغازي بعضها تحت راية الجيش الوطني كانت مخالفة للأوامر العسكرية وخارج نطاق الشرعية , واصفا هذه التحركات العسكرية بأنها "انقلاب" على الثورة والدولة .
إلا أن السؤال الذي يثير القلق هو : من وراء "حفتر" وجماعته المسلحة ؟؟ ومن الذي يدعمه بالسلاح والعتاد للقيام بمثل هكذا عمليات ؟؟ حيث تصل إلى حد مشاركة طائرات حربية مقاتلة وسط البلاد ؟؟
وأيا كانت الجهة التي تدعم "حفتر" فإنها بلا شك تسعى لإغراق البلاد في فوضى وحمى الاقتتال الداخلي , تمهيدا لمحاولة إبعاد القوى العسكرية المناوئة للغرب عن المشهد الليبي , وتقوية نفوذ القوى الأخرى ذات الولاء الكامل للخارج .
وبينما قالت كتائب مسلحة ببنغازي أن "حفتر" لا يمتلك تلك القدرات القتالية - وخصوصًا دعم الطيران – متهمين دول خارجية بالتورط في ذلك القصف الجوي، حيث قالت كتيبة "شهداء 17 فبراير" ببنغازي : "إن طائرات أجنبية شاركت في قصف داخل ليبيا" , فإن أصابع الإتهام الأكثر دقة تتجه إلى الدول الغربية التي تسعى منذ إسقاط نظام القذافي للسيطرة على ليبيا ومقدراتها من خلال السيطرة على جيشها وضمان تبعيته لمصالحه .
لقد اعترف رئيس أركان الجيش الليبي "عبد السلام العبيدي" بأن القوات التي شاركت في أحداث بنغازي الجمعة خرجت دون أوامر من رئاسة الأركان , وأن قاعدة "بنينا" الجوية في بنغازي أصبحت خارج سيطرة الدولة !!
كما أكد القائد العسكري في كتيبة 17 فبراير "محمد حسن زوي" أن الأحداث التي شهدتها بنغازي في الساعات الماضية هي انقلاب مدبر ، سبق التنبيه إليه , بل إن محاولات الانقلاب على الدولة والحكومة والمؤتمر الوطني سبقت من "حفتر" تحديدا , فقد حاول في 14 فبراير/شباط الماضي القيام بانقلاب عسكري ضد الحكومة لكن المحاولة باءت بالفشل .
كما أن تاريخ "حفتر" السياسي والعسكري مثير للريبة والشك , فهو عقيد سابق بالجيش الليبي في عهد القذافي , وأحد أبناء قبيلة "الفرجاني"، كلف عام 1986 بقيادة القوات الليبية في حرب ليبيا ضد تشاد حيث مني بهزيمة ووقع بالأسر , ثم نقل عام 1990 مع أسرى ليبيين آخرين إلى ولاية فرجينيا الأميركية , ليعاد إلى ليبيا بعد اندلاع ثورة 17 فبراير .
ومن القرائن التي تشير إلى ارتباط ما يقوم به "حفتر" بالقوى الغربية , هو التبرير الذي ساقته قواته التابعة له لما قامت به الجمعة بأنها بدأت : "تنفيذ عملية "كرامة ليبيا" التي تستهدف "التكفيريين والعصابات الخارجة عن القانون في بنغازي" .
إنها نفس ذريعة "محاربة الإرهاب" التي طالما استخدمها الغرب لافتة وغطاء لتبرير احتلال بلاد عربية واستعمارها , كما أنها نفس الذريعة التي يستخدمها أتباع الغرب اليوم في ليبيا وغيرها لإثارة الفوضى , تمهيدا لاستدعاء الغزو الغربي العسكري أو السياسي .
فهل تعي القوى السياسية في ليبيا خطورة ذلك ؟؟