خطر تقسيم الأقصى يزداد
23 رجب 1435
د. عامر الهوشان

كثيرة هي الأخطار التي تحدق بالمسلمين في الوقت الراهن , وخصوصا في العالم العربي , ففي أقصى شرقه مخطط لتسليم العراق إلى ملالي طهران , ناهيك عن الحرب الدائرة في سورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام , والتي تصل تداعياتها إلى لبنان بطبيعة الحال , بينما يموج المغرب العربي باضطرابات في كل من مصر وليبيا تنذر بما لا تحمد عقباه . إلا أن الخطر الأفدح والأهم وسط هذه الأحداث الجسام يتمحور حول محاولات "إسرائيل" تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا , حيث يسابق اليهود الزمن لتنفيذ مخططهم تمهيدا لبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه , مستثمرة انشغال العالم العربي والإسلامي بحل أزماته و تسكين حروبه واضطراباته , التي كان لليهود دور كبير في إثارتها بشكل أو بآخر , من خلال العبث بطموحات الشعوب العربية والإسلامية التي خرجت من قمقمها تطالب بالحرية والكرامة . لقد كان العبث بالمسجد الأقصى تمهيدا لهدمه وبناء الهيكل المزعوم هدفا يهوديا منذ احتلالهم فلسطين أو ربما قبل ذلك , بينما لا نكاد نلحظ وجود هدف عربي إسلامي واضح لمنع اليهود من الوصول إلى ما يخططون له , وفي الوقت الذي تحول فيه ذلك الهدف اليهودي إلى سلوك وعمل , من خلال خطوات متدرجة بدأت منذ عام 1948 ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا , لم نجد من الدول العربية والإسلامية أي عمل حقيقي جاد في مواجهة خطوات اليهود , حتى وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن . فقد طالب وزراء بالحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو بالمصادقة على توصيات وزارة الأديان ترتيب الشعائر والصلوات التلمودية لليهود بالمسجد الأقصى ، ودعم القانون الداعي لتقسيمه وفرض السيادة الاحتلالية على ساحات الحرم . وبينما يشهد الائتلاف الحكومي اليهودي الحاكم وأوساط القيادات الدينية والحاخامات سباقا محموما بتقديم مشاريع تستهدف المسجد الأقصى عبر تشكيل "مفوضية يهودية" موازية لدائرة الأوقاف الإسلامية تتولى ترتيب الصلوات التلمودية , لم نر بالمقابل أي تحرك عربي وإسلامي في مواجهة ذلك يخرج عن نطاق التنديد والتحذير المعتاد . لقد تم في مطلع مايو/أيار الجاري طرح قانون بالكنيست "الإسرائيلي" (البرلمان) يتضمن فقرات في غاية الخطورة : 1- إكساب الاقتحامات الجماعية للمسجد الصفة القانونية . 2- التقسيم الزماني والمكاني لساحات الحرم القدسي الشريف – أسوة بالمسجد الابراهيمي بالخليل - تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم . 3- السماح لليهود بإقامة الشعائر التلمودية بساحات الحرم ثلاث مرات يوميا . 4- منع الفلسطينيين من التواجد بساحات الأقصى خلال الأعياد اليهودية . 5- حظر رفع الأذان وصلاة المسلمين بفترات زمنية محددة > 6- فرض عقوبة الإبعاد عن المسجد والسجن وغرامة مالية تصل لنحو 15 ألف دولار على كل من يخل بأنظمة التقسيم ويتصدى لاقتحامات اليهود للأقصى ويعيق الشعائر التلمودية . وفي سعي حثيث لإقرار هذا القانون - الذي يحظى بدعم خمسين نائبا- يعقد بمبنى الكنيست يوم 25 مايو/أيار الجاري يوم دراسي بعنوان "السيادة الإسرائيلية على جبل الهيكل" - وهو المسمى الاحتلالي للمسجد الأقصى- بدعوة من وزراء وأحزاب معسكر اليمين المشاركة بالائتلاف الحكومي , وبالتنسيق مع الجمعيات الاستيطانية التي تشرف على تهويد البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى . نعم ..قد تكون الأحداث الجسام التي تمر بالأمة العربية والإسلامية فرصة ذهبية للاحتلال لتنفيذ ما تبقى من مخططاته التهويدية وأطماعه التوسعية الاستعمارية , ولا أدل على ذلك من الإحصائية التي أعلنتها "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" والتي تفيد بأن قرابة ثلاثة آلاف مستوطن وضعفهم من الجنود وشرطة الاحتلال وعشرات آلاف السياح اقتحموا منذ مطلع العام الحالي ساحات الحرم , في حين منع من هم دون الخمسين من الفلسطينيين من الصلاة بالأقصى، ناهيك عن اعتقال المئات من المرابطين وإبعادهم عن المسجد وتخومه . إلا أن نفس هذه الأحداث الجسام حبلى بكثير من المبشرات , وتحمل في ثناياها الفرج والنصر القريب - بإذن الله- إن أحسن المسلمون استثمارها , من خلال توحيد قوى الشباب المسلم الثائر على الظلم , وتوجيه دفة جهاده بما يتطابق مع الكتاب والسنة , مع التركيز على عقيدة الثقة بالله والتوكل عليه وحده في تحقيق النصر , من خلال إخلاص النية لله تعالى وحده .