7 ربيع الثاني 1436

السؤال

السلام عليكم.. أنا مغربية مقيمة في السعودية مع زوجي منذ ثلاثة شهور، وزوجي كان متزوجا قبلي وعنده ولدان، وقبل الزواج كان طيبا معي، ووعدني بأشياء كثيرة، ولكنه بعد الزواج تغيرت أحواله، حتى أنه لم يوفِّر لي غرفة نوم، وأصبحت مثل الخادمة ألبي احتياجاته وأخدم أولاده بعد ما كنت معززة في بيت أهلي، المهم قبل شهر كنت أفتش في أغراض بالبيت فوجدت ورقتين طلاق لبنتين غير زوجته التي أنجب منها أولاده، فصدمت فيه وصارحته بالأمر فأخذ يعتذر ويبرٍّ لي ما حصل، وحاليا أشعر بأن زواجنا بدأ بالكذب والخداع، فصرتأفكر بالطلاق منه ولكنني أخاف من كلام الناس وأهلي، خاصة وأنه لم يمر على زواجنا إلا ثلاثة شهور، فلا ادري كيف أحل هذه المشكلة..

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكر لك رسالتك وطرحك لاستشارتك..
أما بخصوص مشكلتك، فهي نتيجة سوء التدبير والاختيار، والتفكير، قبل الإقدام على الزواج، الفهم الخاطئ لغايات الزواج الذي من مقاصده النبيلة تحصين الإنسان من الوقوع في الحرام، وإشاعة المعاني التي توثِّق العلاقة الزوجية كميثاق غليظ يتماسك بمعاني الصدق والصفاء والألفة والمودة، والرحمة، والسكن، والتديُّن والالتزام بالوفاء بالحقوق والواجبات المشتركة..
ومن الحلول التي تساعدك في حلِّ مشكلتك مع زوجك ما يلي:
بداية أقول لأختي الكريمة: وأنا أقرأ رسالتك من بدايتها حتى نهايتها اكتشفت حقيقة جوهرية، أراها هي اللبّ وأصل مشكلتك، والتي دعتني إلى أن أتساءل: كيف تزوجت من هذا الرجل ولم تتأكَّدي من طبيعة ظروفه وأحواله المادية والأسرية قبل أن توافقي على الزواج منه؟؟
وما هي غاياتك من هذا الزواج.. هل كنت تبحثين عن رجل من بلد آخر لأجل الاستقلال عن أسرتك، أم لأجل الحصول على الثراء وعلى مورد يلبي احتياجاتك وأحلامك المادية، أم أنك كنت تبحثين عن إقامة حياة زوجية مطمئنة مع إنسان يعفك ويحصنك..؟؟
والحاصل من طرحي لهذه الأسئلة أن أساعدك على التفكير بصورة إيجابية، في أسباب مشكلتك الحقيقية، حتى تتمكَّني من مواجهتها بصورة صحيحة وعملية..
ولهذا أنصحك أولا: أن تجلسي مع نفسك جلسة مصارحة ومحاسبة، لتكتشِفي عيوبك وأخطاءك الخفيَّة، وتباشِري العلاج للتخلُّص منها، ولتتحرَّري من شعورك بالذَّاتية، وتتحمَّلي أسباب ونتائج مشكلتك، وجزءا من التَّقصير مناصفة مع زوجك، وهذه أول خطوة وأول مبادرة لإحداث التغيير ابتداء من نفسك، مصداقا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾..
ثانيا: لا تتسرَّعي بالتفكير في الطلاق للأسباب التي قدَّمتِها في رسالتك، بل أرى أن تتريَّثي قليلا وتصرفي النَّظر عن ذلك، وتعالجي المشكلة بالحكمة والرَّزانة، خاصَّةً وأنَّه لم يمر على زواجك إلا ثلاثة أشهر، وهي ليست بالمدة الزمنية الكافية لتحكمي على علاقتك الزوجية بالفشل، لأن أغلب المشاكل تتضاعف خلال السنة الأولى من الزواج، حيث تكون طباع الزوجين خلال هذه المرحلة لم تنسجم وتتآلف بعد، ومع الاحتكاك اليومي والعشرة يتحقق التَّوافُق، والتَّقارُب، والمشاركة، والتَّكامُل، ويبدأ كل منهما يألف الآخر ويفهم طباعه، ويتأقلم مع أفكاره وأسلوبه ومعاملته، فيتغاضى عن عيوبه ومساوئه..
ولعلك لو منحت نفسك مساحة أرحب تتسع لفهم زوجك، والانسجام مع طباعه، والتأقلم مع ظروفه وواقعه، وتحاولي أن تتقربي منه أكثر من السابق، حينئذ ستجدي راحة وسعادة ونظرة إيجابية تبعث النبض في شريان الحياة الزوجية، وتوسِّع آفاق تفكيرك وترتقي بأسلوبك في التعبير، والممارسة، والسلوك اليومي، وتجدِّد غاياتِك لغاياتٍ نبيلة وأهداف سامية تسعى لبناء أسرة سعيدة وزواج سعيد..
ثالثا: احرصي على الأخذ بالأسباب الشَّرعية التي تعينُك على حلِّ مشكلتك، بالتزامِك بطاعة الله ورسوله، فأكثر ما تعانيه البيوت التعيسة، وما تتعرض له العلاقات الزوجية من محِنَ وشدائد هو ناشِئ عن الإعراض عن ذكر الله، والانحراف عن طريق الهداية والاستقامة..
فللطاعة نور في القلب، وجلاء للأحزان والهموم، ولذة لا يجدها إلا من تذوق حلاوة القُرب من الله، ولذة الذكر والعبادة والمناجاة في الخلوات..
رابعا: الْجَئي إلى الله تعالى بالدعاء والإنابة، واطرقي بابه مرارا بلا كللٍ ولا ملَل، فلعل الله يجعل لك في هذا الزوج خيرا كثيرا، ويجعل لك من الضيق مخرجا، ومن المشقة رخاء، ومن الاختلاف والتنافر، محبة وتآلفا.. فضلاً منه وإحساناً.
وتوكَّلي عليه في كل أمورك وأحوالك، واسْتَعيني به على قضاء حوائجك، واشْتَكِي إليه ما همَّك، واسْأَلِيه أن يهديه زوجك ويصلح أحواله، ويؤلف بينكما، وأن يَهَبكِ القوة والعزيمة والصبر لمكابدة الصعاب ومواجهة هذه المحن، وأن يوفِّقَكِ لحفظ بيتك وحماية علاقتك الزوجية من السقوط والانهيار، فالدعاء مُخُّ العبادة وسلاح المؤمن الذي يدفع عنه كل الشرور مهما اشتدت عليه الهموم والخطوب، وتأكَّدي بأن الله سبحانه هو الكفيل بأن يَصرف عنك كل شدة أو بلاء، اقتداءً بنبي الله يعقوب - عليه السلام -: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}.
خامسا: لو دقَّقت النظر في مشكلتك مع زوجك، ستجدي بأنها تقوم بالأساس على الجانب المادي، وعلى الجانب المتعلِّق بإخفائه لحقيقة زواجه المتكرِّر، وطلاقه من فتاتين قبل زواجه منك، وكلاهما مفتاح حلِّه بين يديك..
فأما بخصوص المشكل المادي:
فليست كل البيوت الزوجية السعيدة تتوفر على كل أسباب العيشِ الرَّغد، ووسائل الحياة المترفة والمنعَّمة، فكم من القصور يشقى أهلها في نعيمهِم، وكم من البيوت البسيطة والفقيرة ينعم أهلها بأقلِّ الزَّاد والشراب، وما يسدُّ الرَّمق وحاجة النفس الضعيفة..
فالأهم في الحياة الزوجية أختي الكريمة.. ليست غرفة النوم ولا الحياة المُرَفَّهَة، بل مقدار المودة والمحبة والانسجام الذي يجمع بينك وبين زوجك، ومقدار ما تحصدينه من ثمار رحلة الكفاح والصبر ومجاهدة المشاق..
وليس عيبا أن تخدمي زوجك وأولاده، حتى ولو كنت ملكة داخل بيت أهلك، فأنت لم تتزوجي بأفراد أسرتك، بل تزوجت لأجل بناء أسرة جديدة وبيت بكفاحك وعرق جبينك، ومساعدة زوجك حتى تقيمان قواعد البناء على أكمل وجه وأجمل صورة، ما دمت تفعلين ذلك بشعور الزوجة المحبة لزوجها، التي ترضيه قدر استطاعتها، وتخلص النية في كل معروف تسديه إلى زوجها وأولاده، وليكن غايتك من إرضائِه إرضاء الله ومضاعفة الثواب والأجر..
والأهم في الحياة الزوجية أختي الكريمة.. هو مقدار تمسُّكِ زوجِك بدينه، والتزامه بواجباته الدينية والشرعية، ومدى إخلاصه وصدقه في عبوديته لله، ومدى طاعته وامتثاله لأوامره واجتنابه لنواهيه، ولو كسبت زوجا صالحا أو سعيتِ لهدايته وإصلاحه فقد كسبت رزقا حلالا طيبا، وغنِمْتِ الغنى والثراء الحقيقي..
أما بخصوص اكتشافك لطلاقه من فتاتين قبلك:
فلو فكرت في الأمر من جانبه الإيجابي، ستلاحظين بأن هذا الرجل لم يخفي عنك ما يشينه أو ينال من عرضه وشرفه، ولم تكتشفي من بين تلك الأغراض والأوراق التي وجدتها بالبيت ما يسيء لسمعته، ويُدينُ أخلاقه أو سلوكه، بل كل ما في الأمر أنه سبق له الزواج من فتاتين وانتهت كل زيجة بالطلاق، إلا أن ما يُعابُ عليه أنه لم يصارحك بهذا الأمر، ولعله لم يفعل لأن له مبرِّراته وأسبابه الخاصة، أو ربما خشي أن ترفضيه لو علمت من أمره ما علمتِ، ولأنه متمسك بالزواج منك ولا يريد أن يفقدك، والدليل أنه اعتذر لك لما صارحته بهذا الأمر..
سادسا: أنصحك بإكمال الطريق الذي بدأت مشواره، حتى ولو كان شاقًّا ووعْرًا، فالحياة الزوجية تحتاج إلى حظٍّ وافر من المجاهدة والكدح، لبناء بيت آمن وأسرة وحياة طيبة كريمة، وما دام زوجك يعمل ويسعى لكسب الرزق، فلا شيء يعيبه إلا أن يكون عاطلا عن العمل، أو متكاسلا عن أداء الواجب المَنوطِ به، أو متواكلا على غيره..
ولا يعيبه إلا قلَّة دينه وصلاحه، أو فساد طبعه وأخلاقه، وما عدا ذلك يهون حمله لمن ابْتغى لحمله سبيلاً يثاب عليه ويؤجر..
ولأن شرط إتمام الزواج تحقُّق الاستقامة والصلاح، ولهذا قال سبحانه وتعالى: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)..
وهذا المعنى الذي تمسك به سلف الأمة وساروا على منواله، فكان قائلهم يقول: (التمسوا الغنى في النكاح)
بمعنى.. أن الزواج هو الغاية التي يُرْجى منها سعة الرزق، فهو يفتح أمام الأزواج أبواب السعي الطيب، والمبادرة لتحمُّل مسؤوليات الزواج، والاجتهاد في العمل، ولأن كل فرد داخل مؤسسة الزواج هو عنصر فاعل وعامِل لتوسيع الرزق، وهذه من بركات الزواج الطيب الحلال.
وختاما أقول لأختي الكريمة.. إن المرأة المؤمنة الصالحة هي التي تنظر للحياة الزوجية نظرة شاملة تؤلف بين الإيجابيات والسلبية، وتسدُّ الثغرات، وتعبِّد الطريق، وتقرِّب المسافة بينها وبين شريك حياتها، وتكون سفيرة أمن وسلام تسعى دائما إلى إيجاد الحلول والبدائل المُتاحة في واقعها وظروفها لإمكانية الإصلاح، وتتمسَّك بالفرص الموجودة وتتأقلم مع الواقع المُعاش..
وقبل أن تتخذي أي قرار، عليك أن تفكري في المستقبل، وتفكري في نفسك، وأهلك، ونظرة المجتمع والناس، وتقدمي الأولى على ما دونه، والواجب على المستحب، وتستخيري الله تعالى، ليدلًّك على ما فيه الخير، ولعل الله سبحانه ما ابتلاك بهذه المِحن إلا ليختبر صبرك، وليرفع قدرك، ويطهرك من التعلق بملذات الدنيا وفتنها ومطامعها الفانية، وليكفِّر عنك سيئاتك وذنوبك، ويبعثك مقاما محمودا، كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
وفي حالة ما تعذرت عليك أسباب العيش الكريم، ولم تطق نفسك تحمل الحياة الشاقة مع زوجك وضقت ذرعا بظروفه المادية، فلا حرج عليك شرعا أن تطلبي الطلاق إن كان لإعساره عن النفقة، لأنه ليس من الإمساك بالمعروف، وقد قضى الخليفة عمر رضي الله عنه بطلاق الزوج الذي لا ينفق على امرأته وروي في الدارقطني: (إذا أعسر ‏الرجل بنفقة امرأته يفرق بينهما). فلا حرج عليك شرعا في طلب الطلاق منه.
ولكن الأولى بك أن تتمسكي بالصبر، لأنه من صفات أهل الجنة، ومن صفات النساء المؤمنات الصالحات، إلا إذا كان هذا الزوج يلحق بك أذى، أو يفتنك عن دينك، أو يلحق بك ضررا لا تطيقينه، أو يترتب عن بقائك معه مفسدة عظيمة، أو فتنة ظاهرة، ترجِّح الطلاق حفاظا على مصلحة متقدمة..
أسأل الله العلي القدير أن يفرج همك وينفس كربك ويصلح حالك، ويؤلف ما بينك وبين زوجك فيما فيه الخير والنفع، وأسأل الله أن يلهمك السداد والصواب، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.