إيران حيث لا كوابح عربية لمطامعها
7 شعبان 1435
أمير سعيد

فتح التقارب الإيراني الكويتي باب التساؤلات على مصراعيه أمام شعوب المنطقة العربية لاسيما الخليجية منها، من قبيل مدى تأثيره على العلاقات الخليجية/الخليجية وعن اتساع الرقعة التي اكتسبتها إيران في علاقاتها، بل نفوذها في المحيط العربي الخليجي، وعن ما إذا كان هذا الانفتاح يعزز الاستقرار في المنطقة أم لا..

 

 

ولعل أخطر تلك التساؤلات هو ما يتعلق بالدور الأمريكي في نمو العلاقات الإيرانية/الخليجية على هذا النحو، والذي يدفع البعض للربط بقوة بين التقارب الأمريكي الإيراني، وما استتبع ذلك من تحسن العلاقات بين دول الخليج في الجانب العربي مع الإيرانيين، فمبعث الخطورة لا يقف عند حد تأثير الجانب الأمريكي في "الوساطة" بين الجانبين، وإنما في تقدير بعض دول الخليج للتغيرات التي جعلت من الولايات المتحدة تتبنى سياسة مساندة إيران في أن تصبح قائدة للمنطقة برمتها بعد إزالتها لكثير من المعوقات التي حالت دوماً دون حصول هذا في الماضي، وأن هذا التقدير بات يستند إلى أسس "عقلانية" تتسم برغبة في التماهي مع الواقع دون الرضا بالضرورة بما يفرضه.

 

 

والواقع هنا يقول: إن الولايات المتحدة الأمريكية ساندت إيران في قهر العراق وإخضاعه منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وأقرت تعيين "ولاة" إيران في العراق واحداً تلو الآخر منذ إطاحة نظام الرئيس صدام حسين، وقاومت بضراوة تغيير نظام بشار الأسد الخاضع لإيران، خلافاً لما رغبت به بعض الدول العربية الخليجية، وما زالت تصر على هيمنة الطائفة العلوية (النصيرية) على النظام السياسي والعسكري في سوريا حتى لو قبلت بإطاحة بشار نفسه، وكذا الأمر في لبنان، الذي يزوره الآن وزير الخارجية الأمريكي ليقر الطريقة التي تفضي إلى اختيار رئيس للبنان ترضى عنه طهران ودمشق، وغضت الطرف عن تمرير الأسلحة الحديثة بكل حرية وسهولة إلى فرقة الحوثيين في اليمن، والتي أضحت قريبة من العاصمة صنعاء، وغدت تتمتع بنفوذ غير محدود في اليمن، وسمحت لإيران بالسيطرة البحرية المناظرة للأمريكيين في الخليج، وشجعت أي تقارب بين الدول الخليجية وإيران.

 

 

إن قراءة مبسطة للواقع تقود إلى الاعتقاد بأن دول الخليج تجد نفسها في مأزق حقيقي، حتى لو لم تشجعها واشنطن على الاقتراب أكثر من طهران؛ فتراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، نعني من الجهة العسكرية، لا السياسية أو الاقتصادية، لابد أنه أثار حفيظة الحلفاء الخليجيين، بالقدر ذاته الذي أقلقهم به تنامي نفوذ الإيرانيين على حسابهم في المنطقة، ودعا بعضهم إلى ترطيب العلاقات بل توثيقها مع الدولة الإيرانية لاعتبارها "الجار الباقي في المنطقة" بخلاف الولايات المتحدة.

 

 

كما أنه، دون تجميل أو رتوش، وبرغم العلاقة الوثيقة التي تربط بعض الدول الخليجية بنظام السيسي، ورغم عباراته العاطفية حول تلبيته لأي استدعاء من قبل الحلفاء العرب لاسيما في الخليج بقدر "مسافة السكة" على حد تعبيره، وتشديده على أن علاقة نظامه بإيران يحددها "الأشقاء في الخليج"، إلا أنهم يدركون صعوبة مكافأة نظام مضطرب لقدرات نظام مستقر بل نامٍ كإيران في المنطقة، تسليحاً واقتصاداً واستقلالاً.

 

 

هذا كله يفسر علاقة عمان ثم الإمارات ثم الكويت بإيران، وانفتاحها الواضح، وهذا ما قد يمكن تفسيره أو تفهمه، لكن ما يدعو للقلق أكثر هو أن إيران لا تقابل هذا الدفء في العلاقات بنوع من "التكافؤ" في العلاقات والندية، وإنما هي تسعى ـ وفق أجندة معروفة ومعلنة ـ إلى الهيمنة على المنطقة، واستغلال أي نقطة ضعف لدى خصومها لمد نفوذها، وحتى امبراطوريتها إلى خارج حدودها المعلنة، ولا يقف الآن بطريقها إلا حرص الولايات المتحدة على ألا تصبح إيران، امبراطورية فارس القوية المناظرة في القوى للقوى الغربية (أو الامبراطورية الرومانية) مثلما كان الحال قديماً، وبالتالي؛ فإن لدى واشنطن تحفظها على تضخم قوتي طهران السياسية والاقتصادية، وإن كانت سمحت لها بقدر ما بالإفادة من منابع النفط العراقية، وهذا يحدها نسبياً في هذا الصعيد، لكن في المقابل؛ فإن الولايات المتحدة تحبذ ـ على ما يبدو ـ أن تتولى إيران قيادة العالم الإسلامي، اتساقاً مع الفكرة "الاستعمارية" التقليدية، وهي تمكين الأقليات من حكم الأغلبيات مثلما تتبعه كاستراتيجية ثابتة، وسياسة نافذة في كثير من أقطار العالم الإسلامي، وهو ما بدا أنه ماضٍ باتجاه التحقق مع تطويق إيران بدرجة كبيرة للمنطقة وامتداد نفوذها على نحو لم يسمح لغيرها من القوى بذلك، كتركيا ومصر..وغيرهما.