الوجه الآخر "لبوش"
11 شعبان 1435
د. عامر الهوشان

على الرغم من اتباع الرئيس الأمريكي باراك أوباما سياسة مختلفة عن سياسة سلفه جورج بوش الإبن في الظاهر , حيث أعلن منذ توليه الحكم أنه يؤثر أسلوب الغزو والاستعمار الناعم على التدخل العسكري المباشر , والتعهد بتحقيق مصالح أمريكا النفعية بأقل الخسائر المادية والبشرية الممكنة , إلا أن الحقائق تشير بوضوح إلى عدم تخليه أبدا عن محاربة ما يسمى "الإرهاب" , كسياسة أصيلة ثابتة للولايات المتحدة الأمريكية على ما يبدو .
لقد أرهق بوش الإبن ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية بحروبه المزعومة والمجنونة على ما يسمى "الإرهاب" , وشن هجوما صليبيا واضح المعالم والأركان على المسلمين في كل مكان , تحقيقا لنبوءات آخر الزمان المزعومة عند المسيحيين الجدد , وانطلاقا من عقيدة صليبية صهيونية لم يخف معالمها , مما ألحق أذى وضررا بالغا ماديا ومعنويا بأمريكا , فكان لا بد من تعديل الوسيلة والأسلوب .
وإذا ما استثنينا سياسة "القوة الناعمة" التي تنتهجها إدارة أوباما فليس هناك ما يذكر كجديد لما كانت عليه إدارة بوش , كما يقول الكاتب الأميركي إليوت كوهين أستاذ البحوث الإستراتيجية بمعهد جون هوبكنز والواسع النفوذ وسط المحافظين الجدد .
إن مما لا شك فيه أن هناك ثوابت لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية والبيت الأبيض , والتي لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يخرج عنها أو أن يتجاهلها , وما اختلاف سياسات الرؤساء إلى وسائل وطرق لتنفيذ هذه الثوابت حسب مقتضى تطورات الزمان والمكان .
ولعل من أهم هذه الثوابت وأكثرها التزاما من جميع المتعاقبين على البيت الأبيض محاربة الإسلام والمسلمين تحت شعار ما يسمى محاربة "الإرهاب" , الذي تم ربطه زورا وبهتانا بالإسلام والمسلمين , تحت تأثير اللوبي اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية , وذمن حملة إعلامية عالمية ممنهجة .
وضمن هذا الإطار لم يكن مستغربا أن تقوم مؤسسة "راند" التابعة للبنتاغون , بالطلب من وزارة الدفاع الأمريكية - عبر تقرير صادر عنها - بالتدخل العسكري الأمريكي المباشر لملاحقة المجموعات الإرهابية واستهدافها في ليبيا ومصر والجزائر وتونس ومنطقة الساحل الأفريقي ؛ للقضاء عليها والحد من مخاطرها على المصالح الأمريكية في تلك الدول .
ويؤكد التقرير على ضرورة التدخل عبر : "عمليات سريّة تنفذّها وكالات عسكرية واستخبارتية أمريكية سرية ، مع دعم الحكومات المعنية وتعزيز قدراتها على مواجهة التهديد الإرهابي".
وهي دعوة صريحة للحرب , وعودة واضحة إلى نهج وأسلوب بوش في نزعته التدخلية في شؤون الدول الأخرى تحت شعار "محاربة الإرهاب" , بالرغم من الزعم بأن سياسة أوباما مختلفة تماما عن سلفه بوش .
وبينما كانت سياسة أوباما تعتمد على توكيل مهمة محاربة ما يسمى "الإرهاب" للدول المعنية بها , مع الدعم الأمريكي المادي واللوجستي للقيام بهذه المهمة لتلك الدول, نرى تقرير مؤسسة "راند" يوصي بغير ذلك هذه المرة .
فقد دعا التقرير وزارة الدفاع الأمريكية إلى إعادة النظر في الشراكة الأمنية مع تونس والجزائر وليبيا ومصر ومالي ، بعد ازدياد التهديدات الإرهابية وارتفاع درجة المخاطر ، وإعادة تقييمها بناء على بيئة التهديد وقدرة الحكومات المحلية على مواجهة الجماعات الإرهابية ، محذرا من نمو السلفية الجهادية في العالم .
ولعل ما تناقلته وسائل الإعلام من التدخل الأمريكي الفرنسي الجزائري في ليبيا مؤخرا , يشير بشكل أو بآخر إلى بوادر انتهاج أمريكا لهذه السياسة البوشية إن صح التعبير , والعودة من جديد إلى القوة غير الناعمة في تعاملها مع ما تسميه "إرهابا" .
بل إن خطاب أوباما الذي ألقاه بأكاديمية «ويست بوينت» العسكرية الأسبوع الماضي يشير إلى أبعد من ثبات أسس السياسة الأمريكية مع اختلاف الرؤساء والزعماء , ألا وهو عدم رفض أوباما النظرية السياسية المؤسسة لعقيدة بوش في حد ذاتها ، وإنما معارضة طريقة تطبيقها فقط .
فقد أصر الرئيس الأمريكي أوباما في الخطاب على التزامه باستخدام القوة لردع الأعداء ، بل وحتى ضربهم إذا استدعى الأمر ذلك قبل أن يفعلوا شيئا , مما يمكن مقارنته ومقاربته مع سياسة بوش "الحرب الاستباقية" التي طبقها أكثر من مرة , وهي سياسة أمريكية لا ترتبط برئيس أو زعيم أمريكي على ما يبدو .
كما أن كلام أوباما في خطابه عن "إمكانية استخدام الولايات المتحدة القوة العسكرية، وعلى نحو أحادي إذا لزم الأمر عندما تستدعي مصالحنا الأساسية ذلك" يشير إلى عدم وجود أي تغيير حقيقي في السياسة الأمريكية على أرض الواقع , اللهم إلا ضمن الوسائل والأساليب فقط .
إنه الوجه الآخر لبوش الذي اقترن اسمه بأشرس حملة على الإسلام والمسلمين في العصر الحديث .