سلاح الاغتصاب ضد العفيفات
8 رمضان 1435
أمير سعيد

استخدام سلاح الاغتصاب والتحرش في الحروب وما يوازيها من الممارسات الاستبدادية التي تمارس ضد الشعوب ليس جديداً، ولقد عرفه العالم منذ بدايات حروبه القديمة، ومقاصده تكاد لا تختلف كثيراً عما نراه اليوم في حروب عالمنا "المتحضر"! لكن ما يختلف في اتخاذه ضد مسلمات (ومسلمين) له مقاصد إضافية، وكذا له صوره الجديدة التي ربما لم يألفها العالم من قبل.

 

إن نظرة فاحصة شاملة للعالم كله اليوم لا تكاد ترى فيها حرباً تقليدية بين دولتين، يعترف بهما النظام الدولي المتعارف عليه منذ أواسط القرن الماضي؛ فاللافت للنظر إذا جال المرء بعينه على خريطة العالم أن يجد كل الحروب القائمة وأعمال العنف التي تنفذ من طرفين، أو من طرف واحد ضد آخر سلمي هي ضمن ما يُسمى بالحروب الأهلية، أو ما يمكن تأطيره داخل حيز أعمال العنف الممنهجة ضد مجموعات دينية أو مذهبية أو عرقية، فالحروب الدائرة في العراق وسوريا أو في جنوب السودان أو الصومال أو حتى أوكرانيا لا يمكن تصنيفها كحروب بين دولتين وإنما حالات من الصراع الداخلي، وكذا ما يمكن تصنيفه كحرب من جانب واحد، مثلما هو الحال في الدول التي قامت شعوبها بثورات فأجهضت.

 

ضمن هذا السياق يمكن تصنيف عمليات الاغتصاب الممنهج التي تقوم بها جيوش أو قوى أمنية أو ميليشيات تتبع لهذه أو تلك ضد مجموعات لا تخرج عن حيز "المواطنة" في بعض البلدان، بل في معظم البلدان التي تشهد حالات الاغتصاب الفظيعة التي تقرع مسامع العالم هذه الأيام؛ فهي تكاد تخرج قليلاً عن المألوف في تصنيفات "اغتصابات الحروب"، وكذا تختلف من حيث كونها في الغالب تقع ضد "مسلمات" لأسباب جميعها متشابهة نوعاً ما.

 

ونحن إن قلنا إن سلاح الاغتصاب (وأقل منه التحرش الجنسيين) يستخدم في الحروب عموماً لكسر إرادة الطرف الآخر، أو لدفع الأقليات أو الأكثرية المغلوب على أمرها على المغادرة والهجرة أو الاستسلام، ودفع المجتمعات الأخرى إلى الخنوع والمذلة؛ فإنه عند الأعداء الذين يستهدفون مسلمات (ومسلمين بالتبعية) يتجاوز ذلك إلى الرغبة في استهداف الإسلام نفسه، وإلى كسر القيمة الأخلاقية ذاتها لدى العفيفات، فهو ترجمة تعبيرية عن كراهية لهذا الدين وأهله والأخلاق التي يعبرون عنها، وهو رغبة أكثر جموحاً في إرضاء الضباط والجنود ليس بمكافأتهم بالسماح لهم من قبل قياداتهم بارتكاب هذه الجريمة البشعة فقط، وإنما في كسر المهابة الدينية من قلوبهم في بعض الأحيان، وإلى المساهمة في شيطنة أفراد مسالمين يتسمون بأخلاق جيدة وإلى إثارة جرأتهم نحوهم، وإلى العمل على انهيار المقاومة ضدهم تفضيلاً للضرر الأقل على الأكبر وهو الحفاظ على العرض، وهو أمر لا يكاد يجاوزه إلا الحفاظ على الدين والنفس لدى المسلمات والمسلمين.

 

قد شرع في هذا الإجرام منذ الأيام الأولى لدولة الإسلام، حين عمد يهود بني قينقاع إلى كشف ستر امرأة مسلمة، ولقد توالت جرائم أعداء المسلمين في استخدام هذا السلاح، وتصدى له المسلمون بقوة في عصور نهضتهم الأولى؛ فكان تصدي النبي صلى الله عليه وسلم لبني قينقاع الذين تحرشوا بمسلمة وقتلوا من دافع عنها ناجزاً حين حاصرهم وقتلهم، وكذلك كانت مواجهة المعتصم والحجاج واضحة لمن تحرش أو اغتصب مسلمة..الخ.. وقد كانت كل هذه الجرائم لا تستهدف هذه المسلمة أو تلك بحد ذاتها، وإنما تتقصد القيمة الأخلاقية التي تتمتع بها المسلمة من عفة والتزام، ولقد استمر هذا النهج المشين من أعداء المسلمين إلى حد شرعنة الاغتصاب في محاكم التفتيش التي مارسها الإسبان حيال مسلمات الأندلس بعد اتفاق مع بني الأحمر نقضه الإسبان واستباحوا حتى الأعراض بأحكام قضائية! بدعوى أن رب البيت مهرطق (أي مسلم يخفي إسلامه) أو ما نحو هذا.

 

فسلاح الاغتصاب إذا ما استخدم في الحروب ضد مسلمات أو حتى من قبل أجهزة قمعية؛ فإنه لا يقتصر على مجرد "المكافأة" التي تمنح لضباط أو جنود أو مرتزقة نظير ولائهم لجيوش أو أنظمة تعادي المشروع الحضاري الإسلامي فقط، ولا هو يستخدم بغرض التهجير أو الإذعان على النحو السائد في غيرها، وإنما يزيد عن ذلك بأغراض استهداف الإسلام، وقيمه الأخلاقية، وحياء المسلمات، ويحمل في طياته أحقاداً على الإسلام ذاته، وحسداً من عند خصومه مما يتمتع المسلمون والمسلمات به من مكارم الأخلاق.

 

وإذا كان ما قد كان من شأن اغتصاب أو التحرش بمسلمات أثناء حروب مع قوى معادية للإسلام بشكل ظاهر قد صارت مألوفة فيما مضى قريباً أو بعيداً، مثلما هو الحال في البوسنة وكوسوفا وكشمير وجنوب الفلبين وتركستان وإفريقيا الوسطى ونيجيريا.. وغيرها؛ فإن ما تفشى مؤخراً من قبل ثلاثة أنظمة عربية استمرأت جيوشها وأنظمتها الأمنية القمعية، يعد تطوراً خطيراً لافتاً، لاسيما مع ظروف إعلامية وحقوقية لم تعد تسمح بإخفاء مثل هذه الجرائم حتى لمدد قصيرة، مثلما كان يحصل من أنظمة أخرى في الستينات وغيرها. وهذا التطور الخطير يستوجب تنادي أهل الغيرة لوقفه ومنع تكراره، والعمل على ملاحقة المجرمين الذين ارتكبوه بكافة الطرق المشروعة؛ فالأمر لا يستهدف العرض وحده على خطورة ذلك، وإنما يستهدف الدين ذاته، وينسحب على أكثر من مقصد من مقاصد الشريعة، أمر المسلمون بحفظها، وجاءت الشريعة لتحقيقها، فالمغتصب في الحروب ضد المسلمين أو حتى ضد مجتمعات مسلمة فيما يعرض بالصراعات الداخلية أو الحروب الأهلية أو القمع الممنهج، ليس شخصاً استخفه الشيطان لتحقيق نزوة، بل هي سياسة نظامية تتقصد ما لدى المسلمين من قيم ومبادئ، وتستخدم هذا السلاح الخطير للحؤول دون تحقيق مشروع الهوية والاستقلال لهذه الأمة، ويعزز هذا الاعتقاد سياسة التجاهل التي تنتهجها المنظمات المعنية بالمرأة حيال هذه الجرائم لتشارك هذه المنظمات مع تلك الأنظمة والنظم في مقاصدهما من استهداف قيم المرأة المسلمة، بخلاف ما تمارسه تلك المنظمات من سياسات تبدو حاسمة حيال أي إجراء قد يمس "ناشطة" متغربة تسعي لتغييب القيم الإسلامية!