ظاهرة استهداف الأئمة والدعاة بليبيا
9 رمضان 1435
د. عامر الهوشان

مع كل محاولات أعداء الإسلام تحييد العلماء عن حياة الناس ومشكلاتهم , والتقليل من تأثيرهم وشأنهم , من خلال تهميش دورهم في المجتمع , ناهيك عن محاولات تشويه سمعة كل من يظهر حرصه وتفاعله مع قضايا أمته من العلماء والدعاة , إلا أن كل ذلك لم يحل دون استمرار أثر العلماء والدعاة في المسلمين بشكل عام , وخاصة المخلصين منهم والثقات , ممن كانت لهم مواقف مشرفة في السلم والحرب والعسر واليسر . وإذا كانت معظم هذه المحاولات قد جاءت على يد الغرب وأتباعه في الدول العربية والإسلامية , فإن هذا لا يعني عدم تورط بعض الجهات الإسلامية في هذا الاستهداف , إما بسبب التشدد في الرأي الذي يدفع إلى ممارسة العنف مع المخالف , أو لأسباب أخرى لا مجال لحصرها في هذا التقرير . لم تكن ليبيا الدولة الوحيدة التي تم فيها استهداف علماء المسلمين من أهل السنة ودعاتها , وإنما حصل نفس الأمر في كثير من دول ما عرف "بالربيع العربي" , وخصوصا في العراق الذي تم فيه استهداف علماء أهل السنة من قبل الرافضة بشكل واسع وكبير . ومع تكرار ظاهرة الخطف والاعتداءات المتكررة على الدعاة والعلماء في ليبيا , استنكرت رابطة علماء ليبيا، عملية خطف الشيخ "طارق عباس" الأخيرة - إمام وخطيب مسجد "أبو منجل" وعضو لجنة كتابة المصحف الشريف بالعاصمة طرابلس - والذي تم اختطافه فجر اليوم السبت أثناء تواجده قرب المسجد بشارع عمر المختار من قبل مسلحين مجهولين . والرابطة إذ تستنكر هذه الحادثة , فإنها لا تقف عندها وحدها , وإنما تندد بظاهرة بدأت تظهر بوضوح في ليبيا , ألا وهي ظاهرة الاعتداءات المتكررة وعمليات الاغتيال والترويع والتهديد والخطف ضد الدعاة وأئمة المساجد والمشايخ في مختلف أنحاء البلاد شرقًا وغربًا وجنوبًا . ولا شك أن هذا أمر ينذر بالخطر، ويبرز الهجمة الشرسة على هذا التوجه ليكمموا أفواه أصحابه ويبعدوهم عن الصدح بالحق , وهي واحدة من عدة أهداف تسعى إليها الجهة الخاطفة – أيا كانت - , بالإضافة لأهداف أخرى لا تقل عن هذا الهدف خطورة وتأثيرا . فالعلماء والدعاة هم الموجه الأول للمسلمين في أمور دينهم , وهم المرجع في بيان الحكم الشرعي في الحوادث والنوازل والقضايا العامة التي تطرأ على المجتمع , وهو ما يترتب عليه بناء المواقف والسلوكيات الواجب اتخاذها من عامة المسلمين تجاهها , فإذا ما استهدف العلماء والدعاة بقي الناس دون موجه لهم ولا مرشد , وترتب على ذلك تخبط في المواقف وأخطاء في السلوك والممارسة . وفوق هذا وذاك لا يمكن إغفال دور العلماء والدعاة في توحيد الكلمة بين أطياف المجتمع الإسلامي – الليبي وغيره - والسعي لجمع الشمل وازالة أسباب الفرقة ، وجمع طاقات المجتمع لما فيه خير البلاد والعباد , فإذا ما تم استهدافهم فإن الفرقة والفوضى تبقى هي السائدة , وهو ما يريده أعداء الإسلام . وإذا ما تحدثنا عن دور العلماء في كشف المخططات المعادية للإسلام والمسلمين , والتصدي لها بشتى الوسائل المشروعة ، وتحذير الامة وحمايتها من المناهج والعقائد المنحرفة والتيارات الهدامة المخالفة لمنهج وعقيدة أهل السنة والجماعة , فإن هدفا خطيرا جديدا ينضم إلى الأهداف السابقة لأعداء الأمة في استهدافهم للعلماء والدعاة . ولقد أشار بيان رابطة علماء ليبيا إلى أثر شديد الخطورة ينجم عن استهداف العلماء والدعاة , ألا وهو تهديد وجود التوجه الوسطي في الفكر والمعتقد في المجتمع الداخلي الليبي , وظهور الفكر المتطرف والتكفيري , وهي أسمى غايات وأماني أعداء الإسلام في كل زمان ومكان . إنها أسباب كثيرة وعديدة تدعو أعداء الدين إلى استهداف العلماء والدعاة في كل بلد عربي وإسلامي , فكيف إذا تعلق الأمر ببلد نفطي وذو أهمية استراتيجية بالنسبة للغرب كليبيا ؟!