منذ متى اختطفت حماس غزة؟!
5 شوال 1435
أمير سعيد

في عالمنا العربي، تثير أقلام وأبواق وقوى سياسية وتكتلات ثقافية ذات توجهات أيديولوجية معادية لحركة حماس التي تخوض ـ إلى جوار العديد من الفصائل الفلسطينية ـ حرباً ضد الكيان الصهيوني في فلسطين لاسيما دفاعاً عن أهلنا في غزة، مسألة "اختطاف غزة" من قبل الحركة.

فهل أصبحت غزة مختطفة لتنظيم "متهور يقامر بأرواح شعبه"، مثلما تشدد على ذلك بعض الأصوات المسموعة إعلامياً في عالمنا العربي؟

الكيان الصهيوني من جانبه يعزز هذا الشعور لدى البعض، بإعمال سيف القتل في أجساد المدنيين الفلسطينيين في غزة؛ فكلما زاد القتل تمكن أصحاب هذا الرأي من تسويقه وسط السماعين لهم، وهذه هي المعادلة في تقديره بعد فشله عسكرياً؛ فهو يعمل على الخروج من هذه الورطة عبر مزيد من الضغوط تمارس على قيادة المقاومة الفلسطينية؛ فزيادة فاتورة الدم، وزيادة الحاجة إلى توفير فرق وإمكانات طبية لتعويض النقص الناجم عن وجود آلاف من الجرحى، وتدمير آخر محطات كهرباء غزة وحصول مشكلتين مترتبتين على هذا في توفير المياه النقية وفي الصرف الصحي، وتوفير الخبز وغيره.. كلها عناصر ضاغطة على المقاومة للقبول بهدنة تصب في صالح الصهاينة.

مرة أخرى، هل كل هذا يعزز القول بأن غزة "مختطفة" من قبل تنظيم يحمل أجندة خاصة، خارجية أكانت أم داخلية؟

الواقع أننا بصدد أكذوبة، يدحضها ما يلي:

-    مبنى الأكذوبة أن ما يقارب من مليوني غزاوي حر خاضعون كلية للحركة، لا يحتجون على أفعالها ويجبنون عن ذلك! وهذا بحد ذاته يخالف الطبيعة الفلسطينية عموماً، والغزاوية خصوصاً، حيث إننا نتحدث عن شعب أبي شجاع، مبهر في نضاله ضد الصهاينة؛ فكيف يسطر الملاحم طوال تاريخه، ثم يأتي هنا ويجبن عن تسيير ولو مظاهرة واحدة ضد حركة حماس؟! إننا نشاهد شعباً أبياً مجاهداً ثائراً، لا يرهبه قصف أو اجتياح فكيف يجبن أمام حماس، ولا يستطيع لها دفعاً ولو بلوحة في مظاهرة أو كتابة على جدار؟!

-    لم تسجل أي من وسائل الإعلام الموالية للمقاومة أو المعادية لها أي مظهر من مظاهر التذمر والتململ من حركات المقاومة عموماً، وبالتالي فنحن نلمس إجماعاً شعبياً على المقاومة تبدى حتى من ذويي الشهداء والجرحى، حتى في أشد اللحظات ابتلاء وفتنة، لحظات الألم ومشاهدة الشهداء وتلقي أنباء استشهادهم أو جرح غيرهم. والمقاطع المرئية تشهد بهذا على تواترها، حيث لم ينبس أي مواطن غزاوي ببنت شفة تدين المقاومة أو تحملها المسؤولية.

-    تظل فكرة مصادرة فصيل واحد لرغبات مواطنيه أكذوبة كبرى؛ فالشعب الفلسطيني عموماً والغزاوي خصوصاً سياسي جداً، وينتمي معظمه إلى فصائل مختلفة أو يتعاطف معها، وجميع هذه الفصائل تقف في خندق واحد، ولا تبدي أي اختلاف حول استراتيجية المواجهة، وبالتالي فقصر المقاومة وفلسفتها على حماس يجافي الحقيقة تماماً. ومعروف تماماً في غزة الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها حركة حماس بين الغزاويين بما تمت ترجمته في آخر انتخابات أجريت هناك، وكذا في استمرار هذه الشعبية رغم الحصار الذي لازم حكومة هنية واستمر بعدها.

-    تعيش غزة أجواء حرية وتمارس الحياة السياسية بقدرٍ عالٍ من الديمقراطية بخلاف معظم الدول العربية، ويسمح فيها بإجراء المقابلات مع المواطنين وإجراء استطلاعات الرأي، ولم يرشح أي نبأ من داخل غزة حتى الآن يبرهن على دقة هذه المقولة، بما يخرجها عن حيز المزاعم والادعاءات، حيث إن معظم مطلقيها لم يجروا أي من هذه الاستطلاعات، وليس لديهم ـ لو أرادوا ـ خبرة إجرائها لأنهم بالفعل لم يمارسوها في بلدانهم التي تحكم بسياسات شمولية. 

-    يزيد من تهافت هذه الادعاءات أنها خرجت بالأساس من مصادر صهيونية وأمريكية وأوروبية قبل أن يُسمع رجع صداها في عالمنا العربي، ومن وسائل إعلامية لا يرتقي إليها الشرف والمهنية والأخلاق.

-    تتأسس فكرة مصادرة فصيل لغزة أو حشرها في زاوية المواجهة على ادعاء ثبت عدم صدقيته، وهو أن هذه الحركة هي من بدأت العدوان، مع أن الكيان الصهيوني استند في عدوانه إلى قصة أسر واختطاف جنوده في الضفة، والتي تبين أن الحركة لا علاقة لها به، وعلى فرض، فهي وقعت في الضفة وليست غزة، وكذا؛ فإن هذا لا يبرر شن عدوان بهذه الوحشية ضد أبرياء غير مسؤولين عما فعلته أيدي الآخرين.. ثم هذا بدوره يصادر حق المقاومة، ويخفي جذور القضية، وهي الاحتلال الذي يتوجب مقاومته بكل السبل وفق الدين والقوانين الدولية، ومنها أسر جنود ومرتزقة محتلين سواء في غزة أو في الضفة الغربية، لاسيما أن البديل المطروح ليس بديلاً في الحقيقة، وإنما هو استسلام يفضي إلى السماح للكيان الصهيوني بالتمدد واغتصاب الأراضي وبناء ما يُسمى بالمستوطنات، وتهجير أصحاب الأرض، ومنع عودة اللاجئين أو الإفراج عن آلاف الأسرى، أو تحسين ظروف مواطني فلسطين الذين يخضعون لنظم مختلفة كفلسطينيي 48 والضفة والقطاع.

الخلاصة أننا نجد بوصلة تائهة في رؤية الخاطفين الحقيقيين لإرادة هذه الأمة التي لم تعد تملك قرارها، غذاءها وسلاحها ودواءها، ولم تزل خاضعة في معظمها لإرادات غربية، وأحياناً صهيونية.. ثم حديث ممسوخ بأن "غزة مختطفة"!