لم أسفر المتصهينون العرب عن وجوههم الآن؟
7 شوال 1435
طلعت رميح

ظنوا أنها المعركة الختامية، وبعدها ستسيطر إسرائيل على الإقليم وتصبح رئيسا لمجلس إدارته، في ظل انسحاب وضعف الدور الأمريكي وتنامي وظهور أو خروج التحالف بين دول عربية وإسرائيل للعلن، فسارعوا بتقديم أنفسهم بلا خجل أو دون مراعاة لما كانوا يراعونه من قبل.كانت مفاجأة للرأي العام والمثقفين أصحاب المواقف – ولكل البشر الأسوياء - أن صاروا يسمعون في أجهزة إعلام عربية وبلسان عربي دفاعا صريحا عن إسرائيل واتهاما ضاريا لحماس بالإرهاب ومطالبة بإنهاء ظاهرة حماس الإرهابية وتخليص الشعب الفلسطيني في غزة من حكم الإرهاب، وكل ذلك أثناء معركة عسكرية وفي ظل عدوان عسكري يقتل الأطفال والنساء في غزة.

 

ذهل الجميع حين سمعوا "عربيا" يقول إن المقاومة هي سبب موت المواطنين الفلسطينيين، وأن إسرائيل تقدم خدمة للعرب والفلسطينيين بل للإسلام بأعمالها القتالية التي تستهدف رأس حماس، الإرهابية، التي تشوه الإسلام!

 

عقدت المفاجأة أو الصدمة ألسنة البعض، فيما تحرك لسان آخرون وقالوا: إن بعضا في إسرائيل أشد إنسانية من هؤلاء، ففي إسرائيل من يطالبون حكوماتهم بوقف المجازر الجارية، فيما هؤلاء الناطقون بالعربية يدعمون الجرم الإسرائيلي.غير أن الأمر لم يأت فجائيا، فقد كتبت منذ عام 2005 وفي جريدة الشرق ذاتها،عن هؤلاء الذين تجرى عملية إعداد وتدريب لهم، وأطلقت عليهم المتصهينون العرب الجدد أو المارينز الجدد، ووقتها تصور البعض أن الأمر مجرد مبالغة.

 

الآن يوقع هؤلاء رسميا في دفتر الولاء لإسرائيل والصهيونية العالمية، ومن فضل الله أنهم أسفروا عن دورهم ومواقفهم وفق قراءة خاطئة وفي الوقت الخاطئ، إذ تصوروها معركة انتصار إسرائيل وسيادتها على الإقليم العربي ونهاية المقاومة بكل أشكالها، قياسا على التراجعات الجارية في الإقليم.

 

وإذا كان سفور مواقفهم قد فاجأ وأذهل الكثيرين، فقد فاجأت وأذهلت المقاومة الجميع بأعمالها القتالية – أما المتصهينون فقد صعقوا - التي أظهرت أو كشفت مدى "الانحدار" الذي بلغته إسرائيل، لا الحرفية والقوة التي بلغتها المقاومة فقط.
أوقع المتصهينون العرب أنفسهم في فخ كبير.

 

قامت قراءتهم على أن الولايات المتحدة تراجع دورها لمصلحة ودور حليفتها الإقليمية، وتصوروا أن إسرائيل ستصبح رئيس مجلس إدارة الإقليم، بعدما جرى للربيع العربي من انتكاسات هنا أو هناك، وأصاب تقديرهم العوار حين تصوروا بأن الألاعيب الإعلامية - التى جربوها وأتقنوها خلال الثورات المضادة - ستنجح هنا أيضاً في تضليل شعب يثور ويقاتل لاسترداد وطنه منذ نحو القرن. ولم يدركوا حجم التغييرات التراكمية التي جرت في الإقليم على صعيد التوازن مع إسرائيل وعلى صعيد بنيانها الداخلي كله، بعد معاركها العديدة مع المقاومة.

 

لم يدركوا كيف أن المقاومة هي من صارت تقيل وتنهي دور قادة الحياة السياسية في إسرائيل من أولمرت إلى إيهود باراك، والآن جاء الدور على نتنياهو. وأن حرفية المقاومة – لا دفاعها عن الحق فقط - صارت أعلى من حرفية الجندي والضابط الصهيوني. فاجأتهم المقاومة بما حققت من شل الحركة الاقتصادية والتجارية والسياحية، ومن هجوم استباقي عبرت فيه حدود غزه لتضرب خلف جنود الاحتلال قبل العدوان البري، وبقدرتها على إيصال صواريخها إلى كل مكان في فلسطين. والأهم أن كشفت المقاومة الدولة والمجتمع الصهيوني أمام النفس وطرحت عليه أسئلة الوجود لا أسئلة الصراع، إذ المجتمع الصهيوني لا يستطيع البقاء في ظل جيش يمكن أن يهزم أو لا يستطيع حسم معاركه في أيام، وقد وصل الخبراء لتلك الخلاصة، إذ جاءت إنجازات وانتصارات المقاومة تراكما في الواقع وعلى الأرض عبر حروب أربعة، جسدت في العقل الإسرائيلي أنه لا بقاء في هذه الأرض.ظهر الجندي والضابط الإسرائيلي خائفا ومترددا بعدما واجه قتالا محترفا من قبل المقاومة.

 

وهكذا ضرب المتصهينون ضربتهم وفق حسابات خاطئة، فانكشفوا أمام الجميع وصاروا يبحثون الآن عن طريق للخروج من المأزق أو عن دعايات إعلامية لمداواة فضيحتهم، فصار بعضهم يظهر حرصا – كاذبا - على دماء الفلسطينيين مزايدا على المقاومة وقادتها، وتحول البعض الآخر للالتفاف على نصر المقاومة بألاعيب صبيانية، كالقول بأن أعداد الشهداء الفلسطينيين أضعاف القتلى الإسرائيليين، فرد عليهم العامة بأن الجزائريين قدموا مليون شهيد والعراقيون قدموا ما يزيد، وأن المقاومة قتلت عسكريين إسرائيليين ولم تقتل مدنيين – بما دلل على قوتها وحرفيتها - وأن لا شعب جرى احتلال أرضه وحررها إلا بالتضحيات الجسام، وهكذا عادوا إلى ممارسة الخداع والتضليل، لكن بعد أن كشفوا أنفسهم وحقيقة ولائهم.

 

 

المصدر/ الشرق