27 شعبان 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم بداية على هذا الموقع الذي نسألُ اللهَ أن يكتبه في ميزان حسناتكم. ثانيًا: أطرح عليكم مشكلتي؛ التي أرجو من الله أن تقدموا ليّ الحلول لتجاوزها، بارك الله فيكم، وهي كالتالي:
لدي من الأبناء 5 أكبرهم يبلغ من العمر 15 عامًا، في الصف الأول المتوسط (محور المشكلة)..
أسرتي والحمد لله متدينة ومحافظة، يعيش معي والدي ووالدتي (كبيرين في السن)، أمد اللهُ في أعمارهما، وأعانني على حسن طاعتهما، وكذا زوجتي.
أعمل في محافظة بعيدة عن المحافظة التي فيها سكني، وأسافر إلى أسرتي نهاية كل أسبوع، لأقضي معهم إجازتي، ولي على هذا الحال قرابة 15 عامًا، حاولت أن أنقل أسرتي كاملة إلى مكان عملي لأكون قريبًا منهم، وأستطيع تربيتهم، وأعين زوجتي على ذلك، إلا أنني لم أستطع، بسبب معارضة والدي لذلك، ورفضهم الانتقال معي، وأنهم لن يغادروا سكنهم.
ونزولاً مني عند طاعتهم استمريت على هذا الحال، مما سبب لي المشاكل، بسبب أن الأولاد كبروا، وكثرت مشاكلهم وأعباءهم، ويحتاجون لتواجد رب الأسرة، فله هيبة غير هيبة الأم، ومع ذلك فعند قضائي للإجازة مع الأهل والأولاد أحاول أن أجلس مع الأولاد، أو أخرجهم برحلة قصيرة، وأجلس معهم نلعب ونتمازح كأنهم إخواني الصغار، لأعوضهم عن ابتعادي عنهم، ولأقترب منهم بشكل أكبر، وبالذات الولد الأكبر الذي يسبب لي كثيرًا من المشاكل داخل البيت فقط.
فالولد متفوق دراسيًا، ومؤدب ومربى تربية حسنة، ويحافظ على الصلوات، ولا يخالط رفقاء السوء، وإذا وجد رفيقاً سيئاً يبتعد عنه، ويحكي كل شيء لوالدته بصراحة دون كذب، فقد عودت أولادي على ذلك، إلا أنه لا يقبل إخوته!، فتجد أقل إساءة بسيطة من إخوته تجاهه مباشرة يستخدم معهم الضرب العنيف، مع أنهم أصغر منه، ولا يراعي ضعفهم، مع أني جلست معه عدة مرات، وأخبرته أنه إذا أساء إليه أحد إخوانه فعليه أن يشتكيه إلى أمه، أو ينتظر إلى عودتي من السفر، ولكن دون جدوى.
بل وصل الحال إلى أنه يحاول ضرب أمه، عندما تحاول منعه عما يقوم به من اعتداء على إخوته، وإذا حاولت ضربه يسبها ويشتمها بألفاظ قذرة، وهو يبكي بحالة هستيرية، وكذا جدته وجده، إذا اعترضوا على تصرفاته، وبعد أن يهدأ تصارحه بما تلفظ به من ألفاظ وشتم، يقول متى حصل ذلك؟!!، وكأنه ما فعل ولا تكلم بشيء.
وقد جلست معه، وأخبرته بأن عمرك قد تغير، وأنك أصبحت كبيرًا، وأصبحت مسئول البيت في غيابي، وعليك تحمل المسئولية؛ فتحافظ على أمك وجديّك وإخوتك وتحترمهم، وأعده بشراء هدية له، فقد اشتريت له جهاز لابتوب، إلا أنه استخدمه للألعاب، ويرفض أن يلاعب إخوته الصغار بتاتًا عليه، وكلما طلب مني شئ اشتريته له. وكل مرة أسافر فيها لا أعود إلا وأجده قد ضرب إخوته وسب وشتم والدته، فيشتكي إخوته لكي آخذ لهم حقهم منه.
وفي كل مرة أحاول أن أتجنب ضربه؛ لكبر سنه، وطوله الذي أصبح يقترب من طولي، فأقوم بتأنيبه والصياح عليه، فتجده يبكي وينصرف من أمامي لغرفة أخرى، مع التهديد والوعيد بضرب إخوته بعد سفري لأنهم اشتكوه، فأظن أن تأنيبي له قد نفع، وأنه لن يعود مرة أخرى، ولكنه يعود في كل مرة.
وقد زادت حالته اشتدادًا خلال العامين الأخيرين، كونه قد بلغ سن الرشد، وعندما تزيد مشاكله بشكل جنوني دون جدوى لتصرفاتي السابقة بالرفق معه أقوم بضربه وبشدة، حتى لا يعود، وكما يقال "آخر الدواء الكي"، ونادرا ما يحصل هذا، كل 4 أو 6 شهور.
أرجو منكم إخواني مساعدتي في كيفية التعامل معه، مع العلم بأن يكن لأخته التي في الصف التاسع كرهًا شديدًا، لدرجة أنها لا تأكل أو تجلس بجانبه، وإذا أكلت من إناء لا يأكل بعدها من نفس الإناء، مع أني أتعامل مع جميع أولادي بالتساوي، وقد خصصته بتعامل خاص، زيادة على إخوته لكونه الأكبر، إلا أن والدته تدعو عليه كلما عمل مشكلة، لدرجة أنها تتمنى موته لترتاح مما تعانيه، وهي لا تستطيع احتواءه. وجزاكم الله خيرًا، وبارك اللهُ فيكم.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فإنني في البداية، أشكر لك سعيك في طلب الرزق الحلال لأهلك وأولادك، وتحملك السفر المستمر، والبعد عنهم، لتوفير النفقة الواجبة عليك لهم.
أما عن مشكلتك؛ فإنها إن شاء الله هينة يسيرة، فما تشكو منه ليس بجديد ولا غريب وإنما يشكو منه المئات بل وربما الآلاف من الآباء والأمهات، وما يحدث من ولدك الأكبر ، ذي الـ15 ربيعًا، هو أمر طبيعي، لمن في سنه، فولدك لا يزال في المرحلة العمرية الحرجة، والتي يسميها علماء النفس والتربية "مرحلة المراهقة"، وهي تلك المرحلة التي تتوسط مرحلتي "الطفولة" و"الرجولة"، فهو لم يغادر مرحلة الطفولة بعد، ولم يدخل إلى مرحلة الرجولة بعد، وهذا هو أصل المشكلة.
فلا يخفى على ذي لب، ما تتصف به هذه المرحلة العمرية (المراهقة)، من صفات فسيولوجية وبيولوجية، تجعلها على درجة من الأهمية والدقة، كما أن الشاب في هذه المرحلة يتصف بجملة من الصفات أهمها: (التقلب، العناد، المزاجية، الجدل).
فالشاب في هذه المرحلة يمر بتغيرات نفسية وفسيولوجية، يبحث خلالها عن قدوة، ويسعى للتعبير عن ذاته، وإشعار الآخرين برجولته، وأنه لم يعد طفلا كما كان، وأنه قد أضحى رجلا، كما أنه يحب أن يكون له رأي فيما يثار حوله من أمور، في مرحلة البحث عن الذات، وتكوين ملامح الشخصية التي سيعيش بداخلها في مرحلته الجديدة المقبلة "الرجولة".
والمراهقة، كما يعرفها المتخصصون: مرحلة انتقالية بين مرحلتين مختلفتين تمامًا، ألا وهما مرحلة الطفولة، ومرحلة الرجولة، ولكل مرحلة عند الخبراء خصائصها التي تميزها، فمرحلة المراهقة هي من أصعب المراحل على أبنائنا، لأنه يتعرض فيها لتغيرات فسيولوجية كبيرة، وتحولات في بنائه الجسدي، وتكوينه الجنسي، ومن ثم فإنه يكون بحاجة للمصادقة والمصاحبة، وإشعاره برجولته، وخصوصيته، واحتوائه حتى لا يكسر الطوق، ولا يغرد خارج السرب.
ولعل نقطة البدء في رحلة علاج مثل هذه الحالة، وكلمة السر في التعامل التربوي مع هذه الفئة العمرية الأكثر خطورة، هي استخدام أسلوب "المصاحبة"، والمصادقة، وإظهار الاحترام له، والاهتمام به، ومعاملته على أنه "صديق"، مع البعد تمامًا عن فرض أسلوب "الوصاية" عليه، لأنه – حسب خصائص المرحلة- يرفض أن يشعره أحدٌ بالنقص، أو أن يعامله على أنه "لا يزال صغيرًا"، فهو يرى نفسه رجلاً كبيرًا، والحق أنه مشروع رجل، أو ما يمكن أن نسميه بـ"الرجل الصغير".
ومع يقيني أنك تحاول ما استطعت تعويض أولادك عن فترة غيابك عنهم طيلة الأسبوع، فإن الأمر يحتاج إلى جهد أكبر، وخاصة في التعامل مع هذا الولد الأكبر، الذي يتوق إلى لعب دور الأب، والجلوس على مقعدك الخالي بحكم سفرك وغيابك، وهو ما يدعوني إلى أن أقدم لك بعض النصائح العملية، لعل الله يصلح لك ولدك، وهي كالتالي:
1- الجأ إلى الله عز وجل، واطلب منه المعونة، واستعن به سبحانه على أمرك كله.
2- أدع لولدك (محور المشكلة) بظهر الغيب، وأمامه بأن يصلحه اللهُ عز وجل، وأن يرزقه حسن الخلق، والرفق بإخوته والبر بأمه وجديه.
3- اصحبه في رحلة خاصة به، واجلس معه على انفراد، وادن منه، وأبلغه أنك تحبه وتقدره، ليطمئن لك ويصارحك ويفتح لك قلبه.
4- دعه يتحدث ويقول ما لديه، استمع له ولا تسفه آراءه أو تحقر من شأنه.
5- تجنب زجره وإهانته وضربه أو رفع الصوت عليه، وعامله بالرفق واللين.
6- اجتهد أن تستخدم اللغة العصرية التي يجيدها، لتصل رسالتك سريعًا إلى قلبه.
7- أشعره بالأمان والثقة، وأعطه فرصة كافية ليعبر عن نفسه.
8- اعتمد أسلوب الحوار والإقناع معه، ولا تشعره بأنك تتصيد أخطائه.
9- اجعله يصل إلى مرحلة الإقرار الذاتي بالخطأ الذي وقع فيه، واترك له فرصة للعود، ولا تعاتبه على ما كان منه.
10- اتفق معه على أن تطويا الماضي بما فيه من مآسٍ، وأن تبدأ معه صفحة جديدة، ملؤها الحب والاحترام والثقة والمسئولية.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.