كلنتن وخياراتها الصعبة؟!
8 ذو القعدة 1435
منذر الأسعد

أصدرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هلاري كلنتن كتاباً بعنوان (خيارات صعبة) قبل بضعة أسابيع، أوجزت فيه خلاصة عملها على رأس هرم الدبلوماسية الأمريكية مدة أربع سنوات – في عهدة أوباما الأولى-.

 

الخطوة غير مألوفة في الغرب، إذ ينشر الساسة مذكراتهم الانتقائية طبعاً، إذا اعتزلوا ميدان السياسة نهائياً. وكلنتن لا تخفي تطلعها إلى أن تحصل على ترشيح الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

من هنا، يغلب على الظن أن كتابها جزء من حملة علاقات عامة لتلميع صورتها ومضاعفة فرصة ترشحها. ولذلك تسود الكتاب مساعٍ مكشوفة لتقديم كلنتن على أنها –في أثناء شغلها منصبها-كانت تعارض سياسات أوباما وبخاصة إزاء محنة الشعب السوري، التي يصر تجار الشعارات في الغرب على تسميتها "أزمة"!! وكلنتن عنونت الباب الذي خصصته للثورة السورية –وهو يحمل الرقم 6 -بــ: سوريا/المعضلة الخبيثة!!

وتفسر الخبث هنا بأن جميع الخيارات لحل "الأزمة"السورية خيارات سيئة!!

 

ومن المفارقات أن هذه الأكذوبة نفسها، هي التي يتبناها البيت الأبيض من قبل ومن بعد، لتبرير تواطؤ أمريكا مع سفاح الشام ونيرون العصر بشار الأسد..

 

تزعم كلنتن أنها كانت تود تسليح الثوار السوريين "المعتدلين" لولا تعنت أوباما الرافض بشدة لهذا الأمر!! ويتسرب من بين سطورها أن أهم سبب لمعارضة تسليح الثوار السوريين لدى أمريكا، يكمن في أن ترك الأمر للسعودية وقطر يعني تضاؤل الدور الأمريكي!!

 

تقول كلنتن: (كانت هذه المخاوف معقولة جداً، لكني وبتريوس أجبنا أن السيطرة وتنسيق الأسلحة القادمة من قطر والسعودية كانت جزءاً من مهام الخطة الأمريكية، كما أن الهدف من الخطة لم يكن بناء قوة كافية لهزيمة النظام أكثر من تأسيس شريك على الأرض يمكننا العمل معه لإقناع الأسد وداعميه أن النصر العسكري مستحيل. لم تكن خطة كاملة، بل في الواقع كانت الخيار الأقل سوءاً من بين العديد من البدائل الأسوأ).

وهذا ليس أكثر من التفاف على العنصر الصهيوني الذي لا تعثر له على أثر في كتاب الوزيرة السابقة والمرشحة المحتملة للرئاسة..

 

وتكاد كلنتن تفضح نفسها وقومها، بالرغم من الخبث الواضح في أسلوب التعبير والمكر الشديد في اختيار المفردات وتعقيد اللغة واعتماد الظلال والإيحاءات المتباينة، بحيث لا ينتهي القارئ إلى فهم ما تريد قوله..

 

مع كل الحرص على الضبابية المتعمدة، يكتشف القارئ الواعي أن واشنطن كانت مهووسة منذ انطلاق الثورة السورية السلمية بمصير الأقليات الدينية بعامة والنصيرية القتلة بخاصة!! فهي تدّعي استحالة العثور على بديل للطاغية المجرم فتقول: (كان أحد أسباب اعتبار سوريا معضلة خبيثة هو عدم وجود أي بدائل مجدية للأسد على الأرض. حيث يدعي وحلفاؤه، مثل لويس الخامس عشر فرنسا "من بعدي الطوفان." أن الفوضى ستأتي بعد الأسد. بالإضافة إلى فراغ السلطة في العراق بعد سقوط صدام وحل الجيش العراقي ما شكل أمثلة تحذيرية)!!

 

حتى عندما تأتي إلى مسرحية بلادها الهمجية إزاء قتل السوريين بالسلاح الكيميائي في الغوطة صيف سنة 2013م، تراوغ لإقصاء العامل اليهودي الجوهري في الموضوع، وتبرر سياسة أوباما-وكانت كلنتن قد غادرت منصبها!!- بالحرص على عدم السماح لأي مستبد مستقبلاً باستخدام الكيميائي ضد جنود أمريكيين!!

ويكاد العاقل ينخرط في الضحك وهو يقرأ مثل هذا الهراء الذي لا يقنع طفلاً تحت سن التمييز.

 

من مهازل الطغاة العرب أنهم يستخدمون أبواقاً متدنية المستوى إذ تنسب ما يلائم نرجسيتهم إلى مصادر غربية حاضرة في زمن الشبكة والفضائيات.. وكمثال أضع بين يدي القراء الكرام صورة المنشور المصاحب، الذي انتشر سريعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، فهو يثير السخرية حقاً: