3 صفر 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب أبلغ من العمر التاسعة والعشرين، وقد أحببت فتاة محافظة من بلد غير بلدي، وقد تعرفت عليها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، منذ حوالي ثلاث سنوات، وكانت في البداية معرفة عادية، إلى أن تقابلنا مرة وأحببتها، وهي كذلك.
وكانت تشجعني دائمًا في عملي، وكذا في الحصول على الماجستير، في تخصص طبي مهم، ومن أول ما أحببتها قررت أن أتزوجها، ولكن أهلي رفضوا لعدة أسباب: الأول: لأني تعرفت عليها من خلال الفيس، والثاني: شكلهم أمام الناس وأمام عائلتي من حيث السمعة، وأخيرًا: بُعد المسافة بيني وبينها.
ورفض أبي هذا الأمر رفضًا شديدًا، وحاولت أن أبعد الفتاة عني، ولكنها كانت ضعيفة ولم تستطيع الابتعاد، وشعرت أني خنتها وخذلتها، وابتعدنا كذا مرة ولكن سرعان ما نرجع. إلى أن قررت أن أتقدم لأكثر من فتاة أخرى، من نفس محافظتي، ولكن لم أوفق في هذه المحاولات؛ ففي بعضهن لم يحصل قبول، وفي البعض الآخر كان عدم الاتفاق فى بعض الشروط!.
وشعرت من داخلي أن هذه علامة للتمسك بهذه الفتاة، ولكن أبي وأمي من ناحية يتمسكون بفتاه من بلدتي، يعرفون أباها وعائلتها جيدًا، ويتمنون ليلاً ونهارًا أن أتزوج منها، ولكنني رفضت لعدم القبول، غير أن أهلي دائمًا يُلِحون عليَّ أن أتزوجها، ويؤمنون بالمثل القائل: (اللي نعرفوا أحسن من اللي منعرفوش). كذلك أصدقائي المقربين نصحوني بأن أتزوج من هذه الفتاة.
لقد احترت كثيرًا جدًا.. بمن أتزوج؟!!. هل أتمسك بالفتاة التي أحببتها أم أتزوج بالفتاة التي يريد أهلي أن أتزوجها؟. أرجوكم انصحوني لأني تعبت كثيرًا من هذا الأمر.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك وفهمت منها: أن عمرك 29 سنة، وأنك ترغب في الزواج من فتاة تحبها، تعرفت عليها عبر الفيس بوك، منذ 3 سنوات، وأنها من بلد تبعد عن بلدك، وأنكما تقابلتما مرة واحدة!، وأنها كانت تشجعك على العمل والدراسة.
كما يتضح من رسالتك أن أهلك يرفضون بشدة زواجك من هذه الفتاة، وأن أسباب هذا الرفض لا تعدو كونك تعرفت عليها من خلال الفيس بوك، فضلاً عن بُعد المسافة بينكم وبينها. غير أني لم أفهم ماذا تقصد بالسبب الأخير لرفضهم، والذي ذكرته في رسالتك بقولك: (شكلهم أمام الناس وأمام عائلتي من حيث السمعة)!!.
كما فهمت من رسالتك أنك- أمام رفض والدك لهذا الزواج- حاولت أن تُبعد الفتاة عنك، ولكنك لم تستطع، بل وخالجك شعورٌ بأنك "خنتها وخذلتها". وتقول أنك تقدمت لأكثر من فتاة من محافظتك، لكنك لم توفق لأسباب مختلفة!!، مما جعلك تعتقد أن هذا يعني ضرورة تمسكك بها.
وتقول في رسالتك أن أباك وأمك يتمنون ويلحون عليك أن تتزوج بفتاة من بلدتكم، يعرفون أباها وعائلتها جيدًا، وأنهم يؤمنون بالمثل القائل: (اللي نعرفوا أحسن من اللي منعرفوش)، وأشرت إلى أن أصدقاءك المقربين أيضًا نصحوك بالزواج منها. وتختتم رسالتك متسائلاً: هل أتمسك بالفتاة التي أحببتها أم أتزوج بالفتاة التي يريدها أهلي وأصدقائي؟!!
أخي الكريم:
أود في البداية أن أذكرك بأن الزواج رزقٌ من عند الله عز وجل، وأن الخالق والرازق سبحانه وتعالى قد كتب في الأزل أن فلانًا بن فلان سيتزوج من فلانة بنت فلان. وأن ما كان لك فلن يأخذه غيرك، وما كان لغيرك فلن تأخذه أنت. غير أن كلامي هذا لا يعني أن نستسلم ونتكاسل بل نحن مأمورون بالسعي والعمل والجد والاجتهاد، قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ...)[التوبة/ 105].
كما أذكرك – أخي الفاضل- بأن الزواج سنةٌ كونية، قال تعالى: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الذاريات/49]. وقال تعالى: (وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً...)[النحل/72].
كما أن الزواج فطرة وغريزة، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً..)[الروم/21]. وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء}.
أخي السائل الكريم:
رغم قناعتنا بأن الزواج سكن ومودة ورحمة وإشباع للغريزة بالطريق الوحيد الذي أحله الله سبحانه وتعالى، إلا أن الشارع الحكيم أوصانا بحسن الاختيار والتدقيق قبل الزواج، لأن للزواج أهدافاً عظيمة، في مقدمتها تكوين البيت المسلم، والذي هو نواة الأسرة المسلمة، التي هي الخلية الأولى لقيام المجتمع المسلم المتماسك، والذي تتكون منه ومثيلاته الأمة المسلمة القوية المتراصة.
وقد أوضح لنا النبيُ الكريم صلى الله عليه وسلم، أن الناس يتباينون في اختياراتهم للمرأة، وأنهم في رغبتهم في الزواج مشارب شتى، غير أنه شدد على أهمية التركيز على شرط "الدين" واعتبره الفوز الحقيقي، فقد روى أبو داود والنسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه): أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك". (رواه البخاري ومسلم ورواه أصحاب السنن).
أما عن مشكلتك– أخي الحبيب- فأنصحك بالآتي:
1) اعلم أنه لا يوجد بين الناس أحدٌ يحبك ويحب لك الخير والنجاح والفلاح أكثر من أبيك وأمك، بل إنهما الوحيدان اللذان يحبانك أكثر من أنفسهما، فهما اللذان ربياك واهتما بك، وتعهداك بالطعام والشراب، والدواء والكساء والتعليم و...إلخ، منذ خروجك لهذه الدنيا، وأن منتهى أملهما في هذه الدنيا أن يرياك زوجًا سعيدًا، وأبا لأحفادهما. فلا تغضب من رفضهما زواجك من هذه الفتاة أو غيرها، ولا تسفه آراءهما بل ارعه وقدره واحترمه ولا تتركه إلا لسبب شرعي معتبر
2) ادرس الأسباب التي على أساسها يرفض والداك ارتباطك بهذه الفتاة، فبعضها وجيه (بعد المسافة بين بلدك وبلد فتاتك)، وستعرف مستقبلاً أنه ربما يكون سببًا لتقطيع الأرحام، وأنا شخصيًا لدي تجربة في هذا الموضوع، حيث اعترض والدي – رحمه الله رحمة واسعة- على زواجي من فتاة تسكن في إحدى محافظات الوجه البحري (الإسماعيلية)، بينما كنت أقيم – وقتها- مع والدي بإحدى محافظات الوجه القبلي (المنيا)، وكا سبب رفضه أن هذا البعد سيتسبب مستقبلاً في تقطيع الأرحام بين الأسرتين. فأوصيك أن تدرس أسباب رفضهما جيدًا، وأن تناقشها معهما، ومع أصدقائك المقربين، وأهل الثقة عندك.
3- أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، مثل مواقع الدردشة والتواصل، كالفيس بوك وغيره، لا تصلح كأساسٍ يعتد به في التعارف المؤدي إلى الارتباط، كما أن هذا التعارف عبر هذه البرامج عادة ما ينتج عنه المعاصي والآثام , وقد منع العلماء هذا النوع من التواصل إلا لحاجة .
من جهة أخرى فالزواج حدث جلل، وأمرٌ له ما بعده، ولكي يكون قرارنا صحيح، فلا بد أن يكون اختيارنا دقيقا، وأن تكون هذا الفتاة التي أرشحها لتكون لي زوجة ولأولادي أمًا، على درجة مقبولة من التدين والالتزام والانضباط بتعاليم الشرع الحنيف، وأن تكون ذات خُلق وورع وتقوى، وأن أسأل عنها من أثق في دينهم وتقييمهم من: جيرانها وأساتذتها ومعلميها، ومن يتعاملون معها في المدرسة والعمل والحي والشارع والبيت و...إلخ. فالأمر ليس بالهين
4- أوصيك أيضًا ألا تُذهب نفسك عليها حسرات، وألا تجلد نفسك بسببها، وألا تؤنب ضميرك لعدم الزواج بها، وألا يخالجك شعورٌ بأنك "خنتها وخذلتها" كما تقول في رسالتك، طالما أنك لم تخطبها، ولم تعدها وعدًا أكيدًا بالزواج منها، ولم تتسبب في تفويت فرص الزواج عليها. ولا تصدر لنفسك شعورًا كاذبًا، ووهمًا غير حقيقي بأن عدم توفيقك في الزواج بعدد من الفتيات اللاتي تقدمت لهن من بلدتك بأنه دليل على "تمسكك بها".