الأستاذ أحمد زيدان: شريف أراد القفز بمحاكاة النموذج الأردوغاني في تحجيم العسكر فتسممت العلاقة بينهما..
14 ذو القعدة 1435
موقع المسلم

تسارعت الأحداث فجأة في باكستان حتى بدا أن رئيس حكومتها على وشك أن يحزم حقائبه ويرحل مع احتجاجات لم تكن كبيرة، لكنها ظلت مؤثرة مع ضبابية موقف الجيش منها، ووجود حسابات ما سمحت بوصول مجموعات المعارضة الهامشية، تحالف لاعب الكريكت عمران خان، والدكتور محمد طاهر القادري المواليين للغرب، إلى مؤسسات حيوية في العاصمة الباكستانية.. ثم تراجعت تلك الصورة إما مؤقتاً أو دائماً. وفي هذا الهدوء النسبي كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ أحمد موفق زيدان الخبير بالشؤون الباكستانية والأفغانية، والذي كشف فيه عن كثير من خفايا تلك الاضطرابات التي شهدتها باكستان

حوار: موقع المسلم

•     هل أوقفت الولايات المتحدة طموح الجيش في القيام بانقلاب على حكومة نواز شريف أم أن الغرض كان الضغط على شريف دون إطاحته؟ ولأجل ماذا؟
العلاقة المدنية ـ العسكرية في باكستان حساسة وحرجة، وباعتقادي فإن الولايات المتحدة لا ترغب في هذه المرحلة بالذات أن يكون للعسكر دور كبير وهي التي تتهيأ للانسحاب من أفغانستان وتدرك واشنطن أن العسكر لن يكونوا في صالح تأمين الاستقرار الأفغاني بعد رحيلها ، كون ما بُني من معادلة أفغانية خلال العقد الماضي تقريبا لم يكن في صالح باكستان وإنما في صالح حلف هندي ـ إيراني ـ روسي , ربما هذا ما سممّ العلاقة بين المدني والعسكري سيما بعد أن  اندفع شريف  في تأييد الانتخابات الأفغانية وتحديداً المرشح عبد الله عبد الله والذي انهزم في الانتخابات الأخيرة بالمناسبة ، وخلافات العسكر مع نواز شريف قديمة جديدة ينبغي أن نذكر أنه لم يسمح له بإكمال فترته الانتخابية لدورتين وهذه هي الثالثة، فهو يريد أن يُمسك بملفات يراها العسكر من اختصاصهم وتحديداً العلاقات الخارجية مع أفغانستان والهند بالإضافة إلى مسألة  الأمن، ومن قبل هناك مشكلة تحديه للجيش بإصراره على محاكمة مشرف فالعسكر ينظر إليها على أنها محاكمة له وليس محاكمة لمشرف، مشكلة شريف أراد تطبيق النموذج الأردوغاني في تحجيم العسكر ولكن بدأها من الأخير وليس من البداية، فأردوغان لم يقدم على هذه الخطوة إلا بعد شرعية الانجازات التي حققها وهو ما دفع الشعب التركي إلى الالتفاف  حوله والابتعاد عن العسكر بخلاف شريف، يُضاف إليه أن تركيا دولة مؤسسات بينما باكستان ربما المؤسسة الوحيدة العاملة قولا وفعلا هي مؤسسة الجيش، وإلا فلمَ يطلب شريف الجيش بالانتشار في إسلام آباد لمعالجة ملف المحتجين ، ويقفز الجيش قبل مؤسسات الدولة الأخرى للتعاطي مع الفيضانات، السبب هو أن مؤسسات الشرطة وأجهزة التعاطي مع الكوارث عاجزة أو فاشلة..

•     لماذا اختيرت هذه التركيبة عمران/القادري لتنفيذ هذه الفوضى؟ ولماذا أحجمت المعارضة التقليدية؟
ج ـ التسريبات تتحدث عن دور لما يوصف بحزب الملك وهي الجماعة التي انشقت عن حزب الرابطة بزعامة نواز شريف خلال حكم مشرف، وقام بعض مستشاريها في لندن بدفع القادري إلى العودة، سيما وأن هذه المجموعة لها علاقات مع العسكر والاستخبارات ساعدها في ذلك أخطاء وخطايا ارتكبها شريف في توتير العلاقة مع العسكر وتحدثنا عن بعض جوانبها، واستغل هؤلاء الدهاة من السياسيين غضب عمران خان زعيم حزب الانصاف من شريف  فيما نعتها عمليات  تزوير حصلت في أربع دوائر ، لكن رفض شريف إعادة فرزها من جديد رغم انتظار عمران لـ 15 شهراً، كل هذه العوامل دفعت الغاضبين على شريف لإطلاق احتجاجاتهم، نعود إلى القادري الذي شُجع وأبلغ أن العسكر ضد نواز  شريف ووعد بأن يكون له  دور في حكومة ما بعد شريف وهو ما تأكد لاحقا بالفعل حين تسرب من عدة مصادر عن طلب 5  من قادة فيالق بمن فيهم رئيس الاستخبارات العسكري القوي الجنرال ظهير الإسلام من أصل 11 قائد فيلق طلبهم من قائد الجيش راهيل شريف  الاطاحة بنواز شريف ولكن راهيل رفض العرض وأصر على سياسة الانقلاب الناعم بحيث يعود للجيش دوره في السياسة عبر ما وصف بـ  فركة أذن لشريف وتحجيم دوره...

 

المعارضة التقليدية هي جزء من النظام السياسي وبالتالي لا يمكن أن تعلن برنامجاً وخططا خارج النظام الديمقراطي الذي آمنت به، إذن لم يبق إلا وسائل غير ديمقراطية تحت مسمى الثورة في أن يقوم بها أشخاص خارج النظام  السياسي، ورغم أن عمران خان داخل النظام السياسي إلا أنه كان مستعدا نفسيا للانقلاب عليه وإن كان ظهر لديه بعض التخبط في هذا من دعوته إلى عصيان مدني إلى طلب من أعضائه الاستقالة ثم التخلي عن الاثنين..

•     هل أجهضت الأمطار والفيضانات مساعي الإطاحة بشريف؟
لا أعتقد أن هناك تأثيراً للأمطار والفيضانات على الإطاحة بشريف سلبياً أو إيجابياً ، وإن كانت الأرضية الأخلاقية للمحتجين قد تتضرر بالتأكيد.

•     لماذا هذا السيناريو بالذات لمحاولة إطاحة شريف؟ ألا يمكن إطاحته بطريقة ديمقراطية؟ أو بطريقة عسكرية بحتة مثلما حصل قبل 15 عاماً؟
ثمة متضررون من حكم نواز شريف، والإطاحة به ديمقراطياً كما أشرت سابقاً غير ممكنة لأنه لا سبب أو مبرر وجيه لذلك، فالكهرباء التي كانت تُقطع لساعات طويلة في البلد تراجع انقطاعها كثيراً، بالإضافة إلى أن توقيع ميثاق الديمقراطية قبل سنوات بين حزب الشعب بزعامة آصف زرداري وحزب الرابطة الإسلامية بزعامة شريف أكد على أن الحزبين سيساعدان بعضهما بعضا في إكمال دورتيهما الانتخابية وهو ما فعله شريف خلال حكم زرداري ويرد الأخير الجميل الآن، أما بالطريقة العسكرية فنفس الأمر لا يوجد مبرر داخلي وخارجي، بالإضافة إلى تحديات كبيرة للجيش منها العمليات في وزيرستان ضد المسلحين، والوضع المتوتر بالهند حيث رصد البعض أن حجم المناوشات بين الهند وباكستان لم يسبق لها منذ 1971  ووصول حكومة متطرفة مثل مودي يجعل تعامل الجيش معها بشكل مباشر أمراً صعبا ولذا تفضل أن تعمل من وراء ستار.

•     كيف تقومون موقف حزب الشعب من الاضطرابات؟
موقف حزب الشعب داعم للديمقراطية وإن كان قد  سعى إلى تسجيل مواقف في اعتراضه على أداء شريف في التعاطي مع المحتجين ، بيد أنه كما ذكرت من قبل فالاتفاق بينهما يشدد على أن يدعمان بعضهما بعضا من أجل تعزيز الديمقراطية في البلاد، ولمواجهة العسكر ونفوذه ، فرحيل نواز شريف عبر هذه الاحتجاجات سيفضي إلى خسارة الجميع كون النظام السياسي هو من سيتعرض للهزيمة وليس حكومة شريف  ..

•     لماذا لم نر أي أثر للحركة الإسلامية الباكستانية في هذه الأحداث؟
الحركة الإسلامية ممثلة بالجماعة الإسلامية لعبت دور الوسيط وكان زعيمها سراج الحق الوسيط بين الطرفين، وباعتقادي أداء سراج الحق السياسي كان لافتاً في السعي إلى نزع الفتيل سيما وأن الجماعة شريكة لعمران خان في حكم اقليم بختون خواه وعاصمته بيشاور، أما جمعية علماء الإسلام بزعامة مولانا فضل الرحمن فقد اصطف بشكل كامل مع شريف، لكن لا بد من التذكير أن قوة الجماعات الإسلامية في البرلمان هزيلة أولا وثانياً مفككة وليست قوة واحدة..

•     أي مستقبل تتوقعونه للمخطط القائم من مجموعات عمران/القادري؟
يبدو أن لا مستقبل لهذا المخطط، الشيء الواضح أن الخاسر الأول هو نواز شريف والنظام السياسي الديمقراطي لصالح العسكر الذين عادوا من جديد، كما أن أصحاب الاحتجاجات ممثلين بالقادري وعمران خسروا إلى حد كبير، فظروف باكستان ليست ناضجة لثورة يدعون إليها ، بالإضافة إلى أنهم يلعبون لعبة الكركيت إما نصر أو هزيمة وفي العمل السياسي هذا غير ممكن سيما في بلد كباكستان قواعد الديمقراطية فيه متجذرة ولا يمكن قلبها أو الانقلاب عليها بهذه السهولة..

•     لماذا هذا "الاستسلام" من حزب الرابطة الإسلامية؟
حزب الرابطة يدرك تماماً أن مواجهة هذا التحرك بالقوة يعني  إسالة دماء وهو ما يستجديه المحتجون كونه وقود أي مظاهرات وثورات واحتجاجات، و سيدفع الجيش مباشرة للتدخل، فالجيش الباكستاني تاريخياً يتدخل مباشرة حين تُراق دماء المتظاهرين والمحتجين، وحزب الرابطة رأى كيف أُحرج تماما حين قتل 14 من المحتجين وجرح 80 في لاهور، ولذا فهو يريد تفويض ربما من البرلمان للتدخل لفض المعتصمين، بالإضافة إلى أنه قد يؤدي ذلك إلى فضح قوة المحتجين على أنها هزيلة وضعيفة وليس كما حاولوا تصويرها من أنهم سيحشدون ثورة مليونية ..

•     هل كل الأوراق السياسية في باكستان في يد العسكر؟
المقصود بالأوراق السياسية كما ذكرت من قبل قضيتين الأمن والسياسات الاستراتيجية للخارجية الباكستانية، فالجيش يرى أن حدود باكستان مع دولتين مهمتين لم تحسم بعد أولها في  كشمير، والثانية مع  أفغانستان لم يتم تسويتها بعد، ولذا فمن الطبيعي أن يكون له قرار في هاتين القضيتين كونها تمس الأمن والدفاع، غير أن شريف تسرع بالذهاب إلى الهند والحديث عن حل القضايا مع حكومة متطرفة مثل مودي وهو ما أغضب الجيش، يضاف إليه خلافهم معه بشأن مشرف وكذلك أفغانستان، ومعارضته للعمليات العسكرية في وزيرستان.

•     لماذا يصر شريف على المنازلات السياسية تلك بعد تجارب مريرة من الإطاحة به؟
شخصية نواز شريف صدامية وعنيدة وبالتالي فهو يريد أن يُمسك بكل الملفات، وهوما قد يفسر بعدم وجود كيمياء بينه وبين العسكر ..

•     هل عقمت باكستان عن تجديد المشهد السياسي برمته، وتغييب كل اللاعبين الاعتياديين فيها، والذين يمضي بعضهم عشرات السنين في ذات الدائرة المفرغة؟
السياسة الباكستانية جذرها نتاج السياسة الاستعمارية البريطانية إن كان على مستوى العسكر أو على مستوى السياسة، فالإقطاعية هي التي تتحكم بالمشهد الباكستاني ماليا وسياسيا وإعلاميا، وبالتالي ليس من السهل الانقلاب على هذا المشهد، ونحن نرى حتى في المدارس الدينية توريث وإقطاعيات، وربما الحزب الوحيد الذي يدير عملية انتخابية في داخله هو حزب الجماعة الإسلامية، ويتم انتخاب زعيمه بشكل دوري..

•    هل تجدون أوجه تشابه بين محمد طاهر القادري وفتح الله كولن.. وتلك النماذج "الدينية" التي أقامت بالغرب وجاءت بأجندة سياسية مساندة للعسكرية أو الاستبداد أو العلمانية؟
 ثمة تشابهات بين الشخصيتين إن كان على المستوى الفكري حيث كلاهما ينتهجان نهج الصوفية الليبرالية، أو في الأساليب بنشر المدارس الدينية التي لم يُمانع الغرب في تمويلها والسماح لها بالعمل وفي بلدان عدة بينما نرى حجم التضييق على مؤسسات إغاثية عربية وإسلامية بتهمة ما يُوصف بالإرهاب، يُضاف إليه قرب الطرفين للمؤسستين العسكرية والأمنية في كلا البلدين، وبالمناسبة أعكف الآن على ورقة تتحدث عن التشابه بين الطرفين .