اتصال منى بمكة وأثر ذلك في حكم قصر المقيمين بمكة للصلاة في منى
6 ذو الحجه 1435
د. سعد الخثلان

مسألة اتصال منى بمكة وأثر ذلك في حكم قصر المقيمين بمكة للصلاة في منى: نقول: إن منى لم تكن من قبل متصلة بمكة، بل كان بينها وبين عامر مكة، كان بين منى وعامر مكة جبال وأودية وشعاب، فالمسافة بينهما يطلق عليها سفر عند بعض الفقهاء،كما عند شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وجمع من الفقهاء، ولكن في الوقت الحاضراتصلت منى بمكة، بل إن منى أصبحت تكاد أن تصبح حيًّا من أحياء مكة، بل إن بعض الأحياء بعض أحياء مكة، لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق منى، ومن يذهب إلى منى من أهل مكة لا يحتاج إلى حمل زاد ومزاد، وليس في عرف الناس اليوم أن من يذهب من مكة إلى منى أنه يقول قد سافرت إلى منى، بل هو في انتقاله من مكة إلى منى كانتقاله لأي حي من أحياء مكة، بل بعض أحياء مكة أبعد من منى. فهذا الاتصال لا يمكن أن يقال معه أن المسافة بين منى ومكة مسافة قصر، وهذا يقودنا قبل أن نشير إلى كلام أهل العلم في هذه المسألة، مسألة اتصال منى بمكة،وأثره في القصر بالنسبة لأهل مكة، نشير أولًا إلى آراء العلماء في حكم قصر أهل مكة للصلاة، في حكم قصرهم الصلاة بمنى وبعرفة وبمزدلفة. نقول اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن أهل مكة لا يقصرون ولا يجمعون في هذه المشاعر،ومنها منى، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية، وهو قولٌ عند الحنابلة. القول الثاني: أنهم يجمعون ولا يقصرون، وهذا هو مذهب الحنفية، قال به طائفة من أصحاب أحمد، ومن أصحاب الشافعي. القول الثالث: أنهم يجمعون ويقصرون، يجمعون ويقصرون في منى وعرفات ومزدلفة، يجمعون ويقصرون، وهذا هو مذهب مالك، وهذا القول هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم رحمهما الله تعالى. فإذا نجد أن من الفقهاء من قال أنهم لا يجمعون ولا يقصرون، ومنهم من قال يجمعون ولا يقصرون، ومنهم من قال يجمعون ويقصرون، لكن من قال بأنهم يجمعون ولا يقصرون، أويجمعون ويقصرون، هل الجمع والقصر هنا لأجل النسك، أو لأجل السفر، خلاف بين أصحاب هذا القول، فمنهم من قال إن سبب الجمع هو النسك، أن الجمع هنا والقصر لأجل النسك. ولكن هذا القول يرد عليه، يرد على القول بأن الجمع والقصر لأجل النسك، يرد عليه إشكالية، وهي أننا لو قلنا بأن هذا الجمع والقصر لأجل النسك فيترتب على هذا أن المكي إذا أحرم في بيته جاز له أن يقصر وأن يجمع، ولا قائل بذلك من العلماء. اتضح المقصود، لو قلنا بأن القصر والجمع لأجل النسك يترتب على هذا أن المكي إذا أحرم في بيته جاز له أن يقصر وأن يجمع وهو في البيت لأنه تلبس بالنسك الآن، ولا قائل بذلك من أهل العلم، فهذا يرد على القول بأنه لأجل النسك، ولذلك فإن هذا القول قول ضعيف،وإن كان بعض العلماء قد تبناه هربًا من الإشكالية الواردة، وهي اتصال منى بمكة، وحينئذ فالصواب أن القصر لأجل السفر وليس لأجل النسك. وقد تبنى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ونصره، وهو أن القصر لأجل السفر وليس لأجل النسك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال: إن من تأمل الأحاديث في حجة الوداع وسياقَها علم علمًا يقينيًّا أن الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة وغيرهم صلوا بصلاته قصرًا وجمعًا، ولم يفعلوا خلاف ذلك، ولم ينقل أحد قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعرفة أو مزدلفة أو بمنى: يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر، وإنما نقل أنه قال ذلك في نفس مكة، كما رواه أهل السنن عنه،وقوله ذلك في داخل مكة دون عرفة ومزدلفة ومنى دليل على الفرق. إذًا شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن القصر والجمع إنما هو لأجل السفر، وهكذا أيضًا ابن القيم، وهكذا أيضًا هو مذهب المالكية، وإن كان المالكية مذهبهم أن السفرالمبيح للترخص، هو ما كان يوم وليلة وهو في حدود ثمانية كيلو متر تقريبًا لكنهم يستثنون هذه المسألة، وإن لم نقف على قول أو تعليل لهم في كتبهم بأن ذلك لأجل النسك. ولكن سبق أن قررنا أن القول بأنه لأجل النسك قول ضعيف فيبقى القول بأن من قال من العلماء بأن أهل مكة يقصرون العلة بذلك السفر، كيف يعتبر سفرًا والمسافة ليست كبيرة بين منى وبين مكة، قرر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وذكر أنه يوجد بين مكة ومنى، يوجد صحراء فيها أودية وشعاب وجبال، وهكذا بينها وبين عرفات وبين مزدلفة،وهذا يسمى على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية يعتبر سفرا. هذا القول قبل اتصال منى بمكة قول متجه، لكن الآن لما اتصلت منى بمكة هنا تنتفي هذه العلة، معلوم أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وكما قدمنا اتصلت الآن منى بمكة، وتكاد تصبح حيًّا من أحيائها ولا يمكن أن نعتبر المسافة الآن بين منى ومكة مع هذا الاتصال، لا يمكن اعتبارها سفرًا، ولو تأملت يعني هذا التصور وجدت أن الآن منى اتصلت الآن بحي العزيزية، وهذا الاتصال يجعلنا نقول: إن أهل مكة في هذه الحال ليسلهم أن يترخصوا برخص السفر؛ لأن المسافة ما بين منى ومكة لم تعد سفرًا بعد اتصال منى بمكة، لم تعد هذه المسافة سفرًا. ومن قال بجواز القصر والجمع، فعلل ذلك بأنه لأجل السفر، ولم تعد هذه المسافة في وقتنا الحاضر تعد سفرًا، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قباء كل سبت،يعني كل أسبوع ويصلي فيه ركعتين في مسجد قباء، والمسافة ما بين مسجده صلى الله عليهوسلم وقباء أطول من المسافة التي بين مكة الآن ومنى، ومع ذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى في قباء لم يكن يقصر الصلاة. بل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي يرى القصر لأهل مكة في منى يقول: إن مدينة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بمنزلة القرى المتقاربة، عند كل قوم نخيلهم ومقابرهم ومساجدهم قباء وغير قباء، ولم يكن خروج الخارج إلى قباء سفرًا، ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقصرون في مثل ذلك، والمنتقل في المدينة من ناحية إلى ناحية ليس بمسافر ولا يقصر الصلاة، هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في حال المدينة وعواليها وقراها المحيطة بها، فمن باب أولى منى مع مكة في الوقتالحاضر. فنقول إذًا إن علة قصر أهل مكة في منى إما أن تكون لأجل النسك وهذا قلنا أنه قول ضعيف، أو لأجل السفر، وهذا قول متجه قبل اتصال منى بمكة، وأما بعد اتصال منى بمكة فلم تعد هذه العلة باقية الآن، انتفت علة السفر والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا،ولهذا نقول إن أهل مكة إذا حجوا فإنهم في منى وفي عرفات وفي مزدلفة لا يقصرون ولايجمعون، اللهم إلا إذا كان في ترك الجمع حرج كبير، فيجوز لهم الجمع لأجل هذا الحرج،أما القصر فليس لهم القصر مطلقًا. ويأخذ حكم أهل مكة المقيمين فيها من غير أهل مكة إقامة طويلة، مثل الجنود الذين يقيمون إقامة طويلة ونحوهم فيأخذون حكم أهل مكة في هذا. وهذه المسألة من المسائل التي يكثر السؤال عنها والحكم فيها كما سمعتم على هذا التفصيل، على أن أكثر أهل العلم وجمهور أهل العلم قبل اتصال منى بمكة يرون أن أهل مكة لا يقصرون، فكيف مع اتصال منى بمكة في الوقت الحاضر، هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة. ---- مفرغ من درس