27 جمادى الأول 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا فتاة أحب شابا ولا أستطيع الابتعاد عنه، ولكن أهله يرفضوني فماذا أفعل؟

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي الكريمة أشكر لك ثقتك وطرحك لاستشارتك..
أما بخصوص مشكلتك فهي مشكلة كثير من أبناء هذه الأمة نتيجة معاناتهم من ظاهرة الاختلاط، التي سمحت للجنسين بالتواصل والاحتكاك اليومي بعيدًا عن رقابة الأُسَر، والانضِباط بضوابط الشرع، والتقاليد، والأعراف الإجتماعية، مما أدَّى في حالاتٍ كثيرة إلى تفشِّي مظاهر الفساد الأخلاقي والدِّيني، المُسيئة لديننا، وأصولِ هُوِيَّتنا، وعاداتنا المحافظة..
وموطِن الدَّاء - أختي الكريمة - هو الاختلاط الذي سمَح لك بكَسْر تلك الحواجز التي تفصِل بين الرجل والمرأة، والارتباط بعلاقة عاطفية مع شاب لا تربطُك به علاقة الزواج..
ومن الخطوات العملية اللازمة لحلِّ مشكلتك ـما يلي:
أولا: وظِّفي حكمتك ورجاحة عقلك في تنظيم علاقتك بهذا الشاب، وافْرضي وجودك وكينونتك داخل أسرتك والمجتمع كامرأة مسلمة تعرف ما لها من حق وما عليها من واجب، وتلْزَم حدودَ الشَّرع وتتقيَّد بأحكامه وضوابطِه..
ثانيا: وثِّقي علاقتك بالله بميثاق الطَّاعة ولِجامِ التَّقوى، فالعلاقات الآمنة والبيوت المطمئنة هي الطَّاهرة من الحرام، التي ليس للشيطان على قلوبها سلطان..
فكوني سلطانة نفسك، ولِجامَ عقلِك، وضمير قلبِك، والمدبِّرة لشؤونِ حياتِك، وِفق دستور الشَّرع الحنيف وقانونِه الحكيم..
ثالثا: حصِّني علاقتك بهذا الشاب بحِصْنِ الشرعِ الحَصين، والانقياد لنصوص الكتاب والسنة، التي تُلْزِمك رقابة الله وخشيته في السِّر والعلن، وعدم انْتِهاك حدود الاحترام، والحِشمة، والأدب، وضبط حرِّيتك بضابط الدين، والعفة، والاستقامة، والمحافظة على أخلاقِك وقيمِك، وحماية نفسِك من الفتن..
رابعا: اقْطعي كل حبلٍ يصِلُكِ بأي رجل بصِلاتٍ محرَّمة، لأنَّه لا يجوزُ تسْويغ عاطفة الحب خارج إطار الزَّوجية، بل ينبغي أن تنْبُع تلك العاطفة من مَوْرِدِها الطيِّب ومشْربِها العَذْب، وعدم الاستهانة بما قد يترتَّب عن ذلك من محرَّمات، كالتَّساهل في شأن الخلوة، وتجاذُب أطراف الحديث، وما من شأنه أن يُشْعِل فتيل الشَّهوة في القلب، ويجذِب النفس ويغريها، ويزيِّن لها الحرام..
وحتى ولو أدى بك الأمر إلى أن تقطعي علاقتك بهذا الشاب بصفة نهائية، فسيجعل الله لك بعد ذلك مخرجا وسيكفيك عن الحرام ويعفَّك برجل يحبُّك في الحلال في علاقة الزوجية، وإِرضاء الله ورسوله، ومُباركة الأهل..
خامسا: إن صمَّام الأمان في سَدِّ الذَّرائع، وإغلاقِ أبواب الاختلاط المؤِّدِّية إلى الوقوع في الفاحشة والرَّذيلة، وحماية العلاقة بين الجنسين بالسِّياج الرَّباني، الذي جعل غضَّ البصر ضابطًا من ضوابط حماية النفس من الإقبال على الشهوات، وأمانًا من الانْسِياقِ وراء الغرائز والأهواء..
وكفاكِ عِظةً وإرشادًا ــ أختي الكريمة ــ أن الحق سبحانه خاطب الرجال فقال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾، وخاطب النساء فقال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾..
وأن النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من اختلاط الرّجال بالنساء حتى في المساجد، وفصلِ صفوف النّساء عن الرّجال، فعن أم سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ).. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ".
سادسا: إن من المقاصدِ والغايات الضرورية التي تراعي مصالح العباد، حفظ الدين، والنفس، والعرض..
فالأولى بك أختي الكريمة أن تراعي هذه المقاصد، وتخاطبي ضميرك الديني والأخلاقي فتقولي بدلا عن جملة: " لا أستطيع أن أقطع علاقتي بهذا الشاب".. جملة: "لا أستطيع أن أخالف ديني وضميري وأخلاقي ومقاصد شريعتي لأي سبب كان"..
وختاما..
إن غايتي أختي الكريمة من ذِكرِ الأسباب الخفية لمشكلتك الحقيقية، هي إظهار موطِن الداء وأصل العلَّة، لأجل غاية أسمى هي أن أُنيرَ بصيرتك، ولكي أُزيحَ عن عينيك غشاوة الجهل بالحقيقة، ولأُنبِّهك لخطورة هذه العلاقة المحرَّمة التي تربطك بهذا الشاب بذريعة عاطفة الحب، التي تضع على قلبِك حجابا سميكا قد يُفْقِدُك توازُن العقل والحكمة..
وحتما إذا أنتِ فَهِمْت أبْعادَ مشكلتِك، ستُجاهدين نفسك وملذَّاتِك، وستتغلَّبين على رغباتك وأهوائك، وستجِدين الحلولَ النَّاجِعَة، وحدًّا فاصِلاً وحازِمًا لعلاقتك بهذا الشاب، وستَسْعَين إلى تصحيح أخطائك، وأنت قوية بما يكفي لتتغلَّبي على تلك العاطفة المحرَّمة، وتُفْسِحي لصدرك مساحةً رحبة لمشاعر طاهرة، تؤهِّلُك لتبدئي صفحة جديدة مشرقة بالطاعات، طاهرة من مكدِّرات المعاصي والآثام، وخالصة من أسباب التقصير المُحْبِط للعمل المثمر المنتج..
واعْلمي ــ أختي الكريمة ــ بأنَّ المرأة المسلمة المؤمنة هي التي تعِفُّ نفسها عن مواطِن الشُّبهات والمُحرَّمات، ومراتِع الزَّلل والرَّذيلة، فتكفي نفسها بالحلال عن الحرام، وبالامتثال لأوامر الله ورسوله الأمين، وتحصِّن نفسها من فتن الاختلاط والأبواب المشرَّعة للفساد والانحلال الأخلاقي، تنْضبِط بضوابط الشرع، وأحكام المرأة المسلمة في علاقتها بخالقها وبالمخلوقين..
أسأل الله العلي القدير بمَنِّه وكرمِه أن يصرفك عن الحرام، ويهديك سبل السلام والصلاح والاستقامة على الحق المبين..