اليمن بروفة الانقلابات فى كل دول الخليج
23 ذو الحجه 1435
طلعت رميح

اجتاح الحوتيون اليمن ولم يجتاحوا صنعاء فقط ،فاذا كان الفعل العسكرى قد توجه للعاصمة -وقبلها طال حجة وعمران –وصار حالة من حالات الاحتلال ثم توسع من بعد بطريقة او اخرى باتجاه مستقر الثروة النفطية فى مارب ،فالاهم ان اجتياح العاصمة واحتلالها ،جاء اعلانا بتغيير سياسى كبير ،فيما وصف بالانقلاب المسلح والثورة المضادة والانقلاب الطائفى . كان اجتياحا للسلطة السياسية وعملية اخضاع عسكرية للدولة ومؤسساتها،وامتلاك القرار فى سلطة تحكم كل انحاء اليمن.

 

ورغم شمولية تاثيرات الحدث من صنعاء الى الدولة الى اليمن كله ،فالاشد خطورة -وليس اهمية فقط -اننا امام بروفة تتعلق بسيناريوهات الانقلاب فى الدول التى تتواجد فيها اقليات ترتبط بايران مذهبيا وسياسيا ومن بعد عسكريا -كما هو شائع فى نمط التدخلات الايرانية فى الاقليم –وبذا يتخطى الحدث اليمن ويضغط على كل الدول ان تدرك الدلالات الاستراتيجية له.وواقع الحال ان البعض قد لا يدرك مغزى الدلالات الاستراتيجية للانقلاب الحادث فى اليمن،وان هناك من سيظل يطمئن نفسه او الراى العام ،بان الوضع مختلف فى بلاده ،باحثا عن الاف الاختلافات .ومع التاكيد على ان لكل دولة اوضاعها الخاصة –وربما شديدة الخصوصية -فان الخصوصية هى الواقع فى كل شان تجرى مقارنته ،لكن الاستراتيجيات مهمتها بالمقابل ان تاخذ الخصوصية طريقة الوصول الى تطبيق ذات النموذج ،وفق انماط مختلفة من الخطط والتكتيكات.تلك مهمتها ودورها.

 

ومع الفارق وللتشبيه ليس اكثر،فقد كانت ظاهرة الربيع العربى ظاهرة عامة، حيث اجتاحت تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن فحققت العومية مع تعدد بل اختلاف النماذج المعتمدة. ومن يدرس ظروف كل بلد من تلك البلدان يجد نفسه امام شدة فى الاختلاف بين ظروف كل دولة والدول الاخرى بل بين كل دولة اخرى ايا كانت دولتى المقارنة،لكنه يجد ان الاختلاف والخصوصية الشديدة صنع طريقا خاصا ،لكنه لم يعرقل النموذج الاستراتيجى للتغيير.بل هو يجد نفسه امام مفارقات شديدة الخصوصية ،فسوريا التى لم يعرف عن شعبها تخزين السلاح وامتلاكه على اساس قبلى صارت النموذج الاكثر دموية ،فيما اليمن الذى يتوافر فيه السلاح ويكثر استخدامه فى الخلافات القبلية وقفت صامدة فى مسيرتها ،حتى جاء الحوتيون بانقلابهم العسكرى .

 

ولذا ،فحدث اليمن تطور خطير تتخطى دلالاته الاستراتيجية الحيز اليمنى .اذ الاصل ان ثمة خطة استراتيجية اعتمدت،تقوم على اختراق الاغلبية عبر تحالفات مع بعضها ضد البعض الاخر (حزب الرئيس السابق من جهة والاصلاح من الجهة الاخرى )،وتطوير حالة الصراع القائمة على شد الاطراف (نشاط كلا من القاعدة والحراك الجنوبى)،حتى جرى انهاك وتفكيك قدرة الاغلبية وانهاك الدولة(بعد اختراقها ايضا) ،والانطلاق الى عملية الحسم العسكرى.تلك الخطة والتجربة يبقى الاصل فيها ان الاقلية تمكنت من تحقيق الفوز على الاغلبية .لقد جرى اختراق قاعدة ان الاغلبية قادرة على تحقيق البقاء للدولة وهويتها وللمجتمع وتوازناته .

 

تلك الخطة يمكن انفاذها فى دول الخليج مع اختلاف الاسماء والمسميات وطرق تحقيق الاختراق والتفكيك، خاصة اذا وضعنا فى الاعتبار ،ان الحوتيون ليسوا ظاهرة محلية يمنية فقط ،وان من امدهم بالخبرات والتدريب السياسى والاعلامى والاستراتيجى والعسكرى لا يخفى انه يقوم بذات الدور مع اخرين فى دول الخليج ،وان هناك حراك حقيقى فى بعض دول هذا الاقليم بذات التوجهات ،وان الوضع الاقليمى والدولى لم يعد على حاله فى توفير الحماية لمنظومات بقاء واستقرار تلك الدول.

 

لقد حقق الحوتيون استراتيجية الحسم العسكرى ،فيما اليمن خاضع للوصاية الاممية ،وهو ما يظهر المدى الذى تغيرت به العلاقات بين دول الاقليم والقوى الدولية.لم تعد روسيا نصير ايران وبعدها نقطة ،بل اصبحت الولايات المتحدة تسير بخطى واضحه نحو اعتماد نمط جديد من العلاقات مع ايران ،يقوم على الحوار والتفاهم وتبادل المصالح على حساب الحلفاء الثابتين من دول المنطقة .

 

انقلاب الحوتيين ظاهرة خاصة باليمن ،لكن التجربة واستراتيجياتها وتوازناتها الاقليمية والدولية قابلة للتكرار فى دول تبدو امام نفسها فى وضع الاستعصاء .وليس بفكرة الانسان عن نفسه تقاس مدى صحة ودقة الامور.

 

ليس الاخطر ان يزحف الحوتيون من بعد على هذه الدولة او تلك ،بل انهم قدموا نموذج انقلابى ستسعى ايران لتعميمه فى دول الخليج.