محاولة شرعنة الاستبداد
28 ذو الحجه 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

لا يكاد يجد القارئ للتاريخ حاكما من المستبدين أو طاغية من الطغاة في العالم إلا وقد استعان في تبرير طغاينه أو شرعنة استبداه بما يسمى "رجال الدين" , ممن قبلوا أن يكونوا عونا للظلمة وأتباعا للطغيان باسم الدين .
وإذا كانت شرعنة الاستبداد من خلال تأليه الحاكم - كما ادعى فرعون والنمرود في العصور القديمة - أو من خلال جعل الحاكم نائبا عن الإله - كما حدث في العصور الوسطى الكنسية في أوربا - قد أضحت طريقة غير مقبولة في العصر الحديث بشكلها القديم , فإن تطوير فكرة تأليه الحاكم أو تقديسه في العصر الحديث لا تبدو مستحلية , خاصة إذا وجدت الأدوات التي تساعد على ذلك , ومن أهمها : بعض الشعارات التي تناسب العصر " المقاومة" , وبعض المتعولمين الذين يجيرون الدين لتبرير كل ما يصنعه أو يفعله الحاكم "علماء السلطان" .
وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم انطلاق مؤتمر ما يسمى "علماء المقاومة" الذي انعقد في العاصمة اللبنانية بيروت أمس الثلاثاء , والذي انعقد تنفيذا للقرارات الصادرة عن اللجنة التحضيرية لمؤتمر علماء المقاومة التي انعقدت بتاريخ 9 و10 أيلول/ سبتمبر 2014م في العاصمة الإيرانية طهران .
والملاحظة الأولى التي تتبادر إلى الذهن فور قراءة هذا الخبر هو توقيت انطلاق وتأسيس هذه الهيئة , والذي يبدو أنها تأتي كردة فعل على كثرة الهيئات لعلماء المسلمين من أهل السنة المناهضين للاستبداد والمقاومين للظلم والطغيان السائد في البلاد العربية خاصة بعد انطلاق ثورات ما يسمى "بالربيع العربي" .
لقد وجد الطغاة أنفسهم أمام معارضة قوية بعد انتفاضة الشعوب ضد استبدادهم , وتكتل واجتماع العلماء - بما لهم من تأثير على نفوس الناس وعقوهم - في أكثر من هيئة واتحاد , فلم يجدوا بدا من إيجاد هيئة دينية تضفي الشرعية على ما يقومون به من قتل وظلم وطغيان , فكانت هذه الهيئة .
أما الملاحظة الثانية فتدور حول اسم هذه الهيئة "علماء المقاومة" , ذلك الاسم الذي فقد بريقه وسحره الكاذب والمخادع بعد انطلاق الثورة السورية , التي كشفت سحر الساحر وأبطلت مفعوله , وفضحت عداوة الرافضة لأهل السنة , وكشفت عن خطط طهران وأهدافها التوسعية في العالم السني .
ومع كل هذا ما زالت طهران و أتباعها في كل من العراق وسورية ولبنان وغيرها يتمسكون بهذا الشعار ويحاولون استرجاع شيء من تأثيره , من خلال اصطناع مناوشات مع اليهود أحيانا , أو من خلال التذرع بمحاربة مشروع الشرق الأوسط الجديد حينا آخر , ولكن دون جدوى , فلم يعد لهذا الشعار أي تأثير إلا على المغفلين من أنصار هذا التيار , الذين هم في الحقيقة وقود الحرب الطائفية التي تقودها إيران في المنطقة , والسلم الذي يصعد عليه الطغاة للوصول إلى أهدافهم وأطماعهم الشخصية .
الملاحظة الثالثة تركز على المشاركين في هذا المؤتمر , والذي اقتصر على المنضوين تحت عباءة طهران , أو الذين لهم بعض المصالح في نجاح مشروعها التوسعي في المنطقة , كما تركز على أقوال المشاركين في المؤتمر ومزاعمهم التي تفوح منها رائحة الكذب والنفاق .
فبينما يزعم المؤتمر أنه يمثل جانب "المقاومة" , لا يجد المتابع أيا من علماء المقاومة الحقيقيين حاضر في هذا المؤتمر , فلا قيادات حركة حماس والجهاد الإسلامي ، ولا الشخصيات الفلسطينية المعنية بالقدس والمسجد الأقصى كمفتي القدس ومفتي فلسطين حاضرين , فكيف يزعم هؤلاء أن مؤتمرهم إنما وجد لنصرة وتأييد "المقاومة" ؟!!
كما أن كثيرا من علامات الاستفهام الاستنكاري توضع على كلمات المشاركين , فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن أمثال مفتي سورية "أحمد بدر الدين حسون" "مقاوم" , وهو الذي ما برح يبرر لطاغية الشام جرائمه ضد الشعب السوري الأعزل , بينما لم نسمع له كلمة واحدة حين قُصفت سورية أكثر من مرة من قبل طيران "الاحتلال الإسرائيلي" مؤخرا !!
بل كيف يصدق عاقل كلام "حسون" حين قال : "إن "سورية" – والمقصود بها هنا بشار ونظام حكمه فقد تم اختزال الدولة والشعب برجل واحد - تقاوم من أجل حماية دمشق وطرابلس واليمن" !!
فهل أصبح الشعب السوري هو عدو تلك العواصم العربية حتى يكون بشار مقاوما بقتله وتشريده ؟!
والأنكى من ذلك أن يدعو "حسون" علماء المسلمين إلى زيارة حلب شمال سورية للاطلاع على ما فعله "ما يسمى بالثوار" – على حد وصفه - من تدمير في المدينة وتفجير المساجد والكنائس"!!
وكأن الثوار هم من يملكون الطائرات التي تقصف حلب ليلا ونهارا بالبراميل المتفجرة حتى اشتهر بها النظام السوري عالميا !!
ولا يحتاج القارئ دليلا على مساندة طهران لكل من يقوم بقتل وتعذيب وتشريد المسلمين من أهل السنة في كل من سورية والعراق ولبنان واليمن , ثم يزعم المشاركون في هذا المؤتمر من أتباعها بعد كل هذا أنها حامل لواء مقاومة الاحتلال الصهيوني والمشروع الأمريكي والغربي في المنطقة ؟!!
لقد استخدم المشاركون في المؤتمر لغة المقاوم للظلم وهم في الحقيقة الظلمة والطغاة , وحاولوا التمسح بالقضية الفلسطينية ونصرة الأقصى , وهم لم يفعلوا شيئا عمليا لهذه القضية إلا عقد المؤتمرات والنصرة بالكلام , ومارسوا تقيتهم الرافضية في محاولة لتلميع صورتهم السوداء في أعين المسلمين , من خلال الإعلان عن الوعد بتقديم دعم مالي من أجل إعمار غزة , وهم لم يطلقوا صاروخا واحدا على "إسرائيل" أثناء العدوان الصهيوني الأخير على غزة !!
فهل يمكن تسمية مثل هذا المؤتمر بعد كل هذا الدعم والمساندة والشرعنة للمستبدين والظالمين "علماء المقاومة" ؟!!