9 رمضان 1436

السؤال

زوجي لا يحب أختي الكبرى، ولا يريد أن يرسلني إلى أهلي!

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة: أشكر لك غيرتك الشَّديدة وحرصك الشديد على ذاك الميثاق الغليظ الذي يربط بينك وبين زوجك وأسرتك، ومشكلتك - بحسب ما جاء في رسالتك - تتلخص في: رفض زوجك التواصل مع أختك الكبرى، وإرسالك عند أسرتك..
ومن الحلول التي أقدمها لمشكلتك فتتلخص في أمور أساسية وهي:
أولا: وظِّفي اهتمامك خلال هذه المرحلة لتَثْبيت أركان بيتك، وتوطيد أواصِر العلاقة بينك وبين زوجك وذلك بالمعاملة الطيبة، والكلمة الجميلة، والعِشرة بالمعروف، وحِفْظ أسراره وصَوْن عرضه وماله في حضوره وغيابه، تطبيقا لشرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف﴾، وقوله تعالى:﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)..
ثانيا: كوني الزوجة الصالحة التي تكسِب سلطانا وتأثيرا، ومكانة رفيعة لدى زوجها، وتملك مفاتيح قلبه وعقله، وتسعى لإسعادِه، وإِدخال المسرَّة والغبطة على أسرتِه وبيته، وأداء حقوقِه الشرعية والزوجية..
ثالثا: كوني صاحبة قلب كبير وعقل رشيد، يغٌضُّ الطَّرف عن الهَفْوة، ويتجاوَز عن الزَّلة، ويأخُذ بالتَّناصُح والتَّشاوٌر والموعظة الحسنة، مصداقا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾..
رابعا: كوني الزوجة المسؤولة، التي تتحمَّل وظيفتها في قيادة البيت قيادةً رشيدة، ورعاية الأسرة، وإدارة شؤونِها بنظامٍ وعدلٍ وإنصاف، لقوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته)..
وهذا من شأنه أن يضمن الاستقرار وسعادة الزوجين، وحَلِّ المشاكل والخلافات وِفْق سياسة رشيدة وحكيمة، تحْفَظُهما من تدخُّل الأسر تدخُّلا سلبيا يؤدي بهما إلى تفسُّخ أواصر المودة بينهما..
خامسا: ذكرت - أختي الكريمة - بأن زوجك لا يحب أختك الكبرى، ولا يرضى بأن يرسلك لزيارة أهلك، إلا أنك لم تذكري الأسباب والموانع..
فلعل هناك دوافِع وجيهَة لرفض زوجك وجود أختك الكبرى والتواصل مع أهلك، وإِحْجامه عن إرسالك لزيارتهم..
فوظِّفي ذكاءك وفراستك لتكتشفي هذه الدَّوافع والموانع، فإن كانت مقبولة ومُنْصِفة، فالواجب عليك - في هذه الحالة - أن لا تُقْحِمي نفسك في خلافات تحْدُث بين زوجك وأهلك، وتُعَرِّضي حياتك الزوجية للانهيار بسببها، أما إذا كانت الدَّوافع ناتِجة عن أسباب ذاتية، وموانع نفسية أو مِزاجِيَّة، ولا يرغب في الإفصاح عنها..
ففي هذه الحالة عليك أن تتحَلَّي بالصَّبر والمُجاهَدة، وأن تسْتعيني على حلِّ هذه المشكلة بالتوكُّل على الله واللُّجوء إليه بالدُّعاء، والاسْتغاثة برحمته وكرمه، فهو وحده القادر على أن يرقِّق قلب زوجك، ويهديه سبُل الحق والرَّشاد..
سادسا: اعْمَلي على التَّوفيق بين أختك الكبرى وأسرتك وزوجك، واحْتوائِهِم جميعا بالتَّودُّد إليهم، والتأليف بين قلوبهم، وجَبْر خاطِرهِم، وتصْفِية نفوسهم من الشَّحْناء والبَغْضاء، وتصحيح نظرة زوجك اتِّجاه أسرتك، وإشاعةِ المودَّة، والرَّحمة، والمحبة بينهم..
سابعا: احْرِصي على مراعاة مشاعر زوجك، وتجنَّبي ما يغضبه، بالكلمة الحلوة، والثناء على خصاله ومحامدِه، وحِفظِ كرامته وهيبته ومراعاة مشاعره ورغباته، واغتنام المناسبات السعيدة لإِكْرامِه، وَصِلي أهله ومعارفه، واكْسِبي رضاهم، فهذا من شأنه أن يطيِّب خاطره ويرطِّب قلبه، ويحُثُّه على إسْعادِك وتلبية طلباتك..
ثامنا: عليك أن تتفهَّمي طبيعة البيئة والواقع الذي عاش فيه زوجك، والأسرة التي ينتسب إليها، فلعل عاداته وطباعه تختلف عن طباع وعادات أسرتك، أو بينهم فوارق اجتماعية وثقافية، ولهذا السبب يرفض أن تتواصلي معهم، فواجبك أن تعْمَلي على أن تبدِّدي الفوارِق وأسباب الاختلاف بينهم، وتحقِّقي التَّقارُب والتَّوافُق والانسجام، وتتجنَّبي مواقف المعارضة والمشاحنة، وتصِلي أهلك وتكْسِبي رضاهم، من غير أن تتسبَّبي في خلافات زوجية، وتختاري الأسلوب اللَّبيب والطريقة السَّديدة التي من شأنها أن تحافظ على كرامة ومشاعر وتقدير كل الأطراف..
وفي الختام..
إن أغلب المشاكل الزوجية يكون حلُّها بتقديم الشرع أولا ثم توظيف العقل والحكمة ثانيا، فالشريعة تحصِّن بيت الزوجية من حبائل الشيطان وغوايته، والحكمة تدير شؤون البيت والحياة والعلاقة الزوجية إدارة رشيدة ومتوازنة، تضمن لكل الأطراف الاستقرار النفسي، والانسجام الأسري، والتوفيق بين الطباع، والأفكار، والرغبات، والاهتمامات، وبدون الأخذ بهذه الأسباب، يحصل الشِّقاق والنُّفور، والشقاء والتعب بين الزوجين، فالتزام الدين والأخلاق والحكمة هي سبيل السعادة الزوجية..
وتذكَّري بأن الزواج رباطٌ شريف وميثاقٌ غليظ، فلا تسمحي لأيٍّ كان بأن يقود اختياراتك وقراراتك المشروعة، أو أن يتحكَّم في إرادتك الحرة، أو يقود حياتك الزوجية إلى منحدر السقوط والانهيار..
وحافظي على استقرارك وسعادتك الزوجية، من غير أن تخسري أهلك، بإِعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه..
أسأل الله العلي القدير أن يسعدك في حياتك الزوجية، ويسَّر الله لك سبُل الاستقرار والمودة والرحمة والسكن بينك وبين زوجك وأسرتك..