9 ربيع الثاني 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
متزوج ولديَّ طفلان الحمد لله، ورغم الصفات السيئة في زوجتي إلا أني صابر من أجل أولادي، لكن في الفترة الأخيرة وبسبب تعلقها بالواتس آب قام أخي الصغير وبعلمي باستدراجها لعلاقة غير شرعية، أستغفر الله العظيم، ولاقى شبه قبول منها ولكنه لم يكملها كونه كان يختبرها، وقمت بمصارحتها وقد اعترفت أنها لحظة ضعف وأنه لم يحدث شيء وقد استعاذت بالله من الشيطان الرجيم، وطلبت مني أن تبقى خادمة بالبيت على ألا أطلقها.
هل أعفو عنها كونه لم يحدث المحظور أم أطلقها؛ حتى لا أعتبر ديوثاً مع ملاحظة أنها أول مرة تقوم أو تفكر بهذا الشيء حيث كنا على خلاف في تلك الفترة؟

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
نشكر لك أخي ثقتك بإخوانك في موقع المسلم ونسأل الله سبحانه أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يرينا ويريك الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يهدينا إلى أحسن الأقوال والأعمال التي تقربنا إليه التي لا يهدي لأحسنها إلا هو وأن يصرف عنا سيئها فلا يصرفها إلا هو سبحانه.
أخي السائل:
لاشك أن الوسائل التقنية الحديثة قد أتت بعدد من المنافع لكنها حملت معها الكثير والكثير من السلبيات الخطيرة التي تهدد مجتمعاتنا، والتي يجب علينا – كأزواج وآباء ومربين - أن ننتبه بل نتيقظ لمخاطرها وتهديدها لأمن أسرنا المسلمة، وأحب أن نناقش سويا ما في رسالتك من جوانب إيجابية ونتوقف معا عند ما فيها من جوانب أخرى شديدة السلبية، وليتسع لي صدرك أخي:
- في رسالتك جانب مضيء وهو متابعتك لبيتك ولزوجك ولعلاقتها بك ولجديد ما تتعلق به من مستجدات تقنية وتتابع اهتمامها وعدمه وهو أمر محمود منك ومطلوب أيضا وواجب عليك، فهو قيام منك بواجب القوامة وواجب المسئولية عن الرعية التي أوصانا وأمرنا بحفظها رسولنا صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.." الحديث[1]، ومما يؤسف له أن كثيرا من الأزواج والآباء والمربين قد يغفلون عن القيام بهذا الواجب فتضيع الأسر المسلمة وتتفتت بعدما تصبح قطعانا بغير راع، فأشكر لك هذا الصنيع والقيام بالواجب الذي غفل عنه كثيرون.
- تقول إنه رغم كل الصفات السيئة التي في زوجتك إلا أنك صابر عليها من أجل أولادك، ومع أهمية الصبر في حياة المسلم وفضيلته وثوابه العظيم إلا انه ليس وحده المطلوب منك كزوج، فعلى الزوج أن يسعى جاهدا لتقويم زوجته وإصلاحها وتذكيرها ووعظها ومحاولة تعديل سلوكياتها، فليس عليه الصبر فقط وخاصة إن كان بصورة سلبية منزوية بعيدا عن مواجهة المشكلات والأخطاء، فالرجل لا يصبر بصورة سلبية على الخطأ وعلى الصفات السيئة وينبغي عليه المحاولة الدائمة للإصلاح بالوسائل التي شرعها الله له، ولك الكثير منها التي شرعها الله فإن لم تجد من زوجك الصلاح الذي تنشده فلا ترضى بالخطأ أو بالصفات السلبية من أجل الأبناء، وبالطبع فمفهوم الصفات السلبية مطاطي متسع، فهناك من الصفات السيئة ما يمكن اعتباره هينا ومنها ما يستحيل قبوله، فأرجو مراجعة هذا الموقف منك، فليس كل سكوت عن صفة سيئة يعتبر صبرا محمودا.
- وبالنسبة لتعلقها بالواتس آب أو بأي برامج حوارية على الهواتف، فالأصل أنك سمحت به بداية والأصل أنك أنت من تركت لها هذا الباب الذي كان يمكنك منعه، ولاحظت تعلقها الشديد به فأين كنت في هذه الفترة؟ وفي العادة لا تتعلق المرأة ببنات جنسها ولا يتعلق الرجل بمثله، فهذا التعلق كان لابد وأن يفهم أن هناك حوارات أخرى لم ترق إلى المستوى الذي اكتشفته، ولكن بكل تأكيد كانت هناك حوارات أخرى، فكان اكتشافك ومحاولة الوصول لطبيعة العلاقات ناتجا عن تقصير منك في البدايات، وأنت من تتحمل المسئولية عنه قبلها مع التأكيد على مسئوليتها ولكن لكونك قيماً عليها كان عليك الانتباه والحذر قبل استفحال شكك وطلبك لليقين حول كلامها وتعاملها مع الآخرين.
- وكان من الخطأ تناول هذه المشكلة مع أخيك الأصغر، فكيف لأخيك أن يعرف بهذه المشكلة من البداية؟ كيف له أن يطلع على هذا الشك الذي يسري بداخلك؟ وهو أصغر منك ويتعامل التعامل الأسري الشرعي مع الزوجة باعتبارها زوجة أخيه، كيف له أن يطلع على هذا السر الذي لو ثبت وطلقتها ما كان ليجب أن يطلع عليه أحد، لماذا لم تستر زوجتك حتى لو أخطأت، فطلاقها أهون من فضحها أمام أخيك الذي لا يعلم أحد إلا الله هل احتفظ بسرك أم أفشاه أم ما المدى الذي يمكنه الاحتفاظ بسرك وبسر زوجتك وما هي تبعات ذلك العلم عليك وعلى بيتك، فكيف تفعل هذا؟
فلم يكن تصرفك حكيماً بإدخال طرف ثالث في الموضوع والخطأ الأكبر منه أن يكون أخوك الأصغر هو ذلك الطرف، الذي سمحت له بالدخول إلى أخص خصوصياتك وخصوصيات زوجك.
- ويعتبر الخطأ الأشد والأفظع أنك أردت اختبار مسلم في الطاعة والمعصية، فلسنا مكلفين بهذا يا أخي، فالإنسان – كل الإنسان – قد يضعف في موقف ما ولا يدل هذا على سوئه، فعند تعرضنا جميعا للفتن قد نسقط، فليس للعبد أن يضع عبدا في اختبار وفتنة ليقرر هل هذا العبد عبد مطيع أم عاص، فتصرفك كان من الخطأ بمكان، ولا أجده يحل لك أن تقوم بهذا وأن تسعى لفضح عبد مسلم عند غيرك لإقامة الحجة عليه، فضلا عن كونها زوجتك وأم أولادك فكيف قبلت بهذا؟، فما كان من داخلك من شك فكان يجب عليك أن تحتفظ به وأن تواجهها وحدك وأن تصل ليقين سواء بفعلها أو بعدم فعلها ثم تقرر تخليتها أو إبقاءها، أما ما فعلت فقد أخطأت خطأً جسيما ربما لا يمكن تداركه كله الآن ولا تدارك تبعاته التي ربما لن تظهر اليوم وستؤجل.
- هناك نقطة أخرى أخي لم تفكر فيها ولم تسأل نفسك عنها، اهتممت بشأنك وشأن زوجتك فحسب ولم تتذكر حق الله سبحانه، فلم تذكر أن هذه الكلمات التي كانت بينهما كانت معصية لله أنت من أوجدتها، وأنت من صنعها، وأنت من يسر لها سبلها، وأنت من رعيتها، فمن أين لك بحجة أمام ربك فيها؟ وهل يمكن يتوصل إلى طاعة بمعصية؟ وهل يمكن أن تكون الغاية الصحيحة أو يجعل من الوسيلة الخاطئة صحيحة؟ فالإسلام لا يعرف المبدأ الذي يقول "الغاية تبرر الوسيلة" فغايات الإسلام نظيفة وطاهرة ووسائل الوصول إليها يجب وأن تكون كذلك، وهذه الوسيلة لم تكن نظيفة ولا طاهرة فكيف يتوصل منها لغاية نظيفة وطاهرة.
- وهناك بعد خفي أيضا، أليس أخوك إنسانا وبشرا، هل لا يملك من المشاعر والرغبات التي وضعت أنت بذرتها، وهل لا تملك زوجك حقيقة مشاعر قد تفارقك وتتوجه إلى غيرك من أوهمها بقربه منها وحرصه عليها وتفهمه لها حتى وصل إلى ثقتها لكي تبدأ علاقة غير شرعية معه، أليس هذا إنباتا لفساد في قلبي أخيك وزوجتك، وكيف سيلتقي أخوك بعد ذلك بزوجتك بعدما كان بينهما ما كان؟ وكيف يمكن أن يعود ليتعامل معها التعامل الشرعي الصحيح بين أخ وزوجة أخيه بعد فعلك الذي فعلت بإرادتك؟ أليست كل هذه الأسئلة حري بك أن تسألها لنفسك الآن وكان يجب أن تضعها نصب عينيك قبلها؟
- أدركت أخي أن أكثر الأسباب ترجحا لديك فيما وقعت فيه زوجتك كان خلافكما في هذه الفترة، وأقرك على هذا، فإهمال الزوجة وكثرة الخلاف أو المعاملة السيئة لها وإهانتها وغير ذلك في وقتنا هذا من الخطورة بمكان فضلا عن كونه ليس من هدي الإسلام ولا من فعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا في معاملاته مع أزواجه، وبالطبع في هذا العصر الذي نحياه ومع كثرة الوسائل التقنية ربما تجد الزوجة من يستمع لها ومن يمنحها ما حرمتها منه، فيكون تعامل الزوج أحد أهم عوامل انحراف زوجته، وهكذا الأب مع بناته، وحينها يجب أن يوجه الزوج والأب لائمتهما أولا عن تقصيرهما في حق من يعولون، قبل أن يوجها لومهما للآخرين مع اليقين بمسئولية المرأة أمام الله عن هذا وأنها محاسبة أمام ربها عن فعلها سواء كان الزوج يتعامل وفق الهدي النبوي أم يخالفه، فلا يرفع عنها ما ترتكبه من إثم سوء تصرف زوجها أو أبيها معها.
- والآن قد تيقنت بأن زوجتك أخطأت وأدركت خطأها ولم تكابر وطلبت أن تربي أبناءها ولو خادمة كما ذكرت، فعليك بمتابعة ذلك، فالله عز وجل يقبل التوبة من عباده أفلا نقبلها نحن وخاصة إن صدقت في توبتها إلى ربها مما فعلت؟، وأنت أيضا أخطأت، لكن خطأك لم يذكر ولم يذكره لك أحد، فعليك بالتوبة إلى الله مما فعلت، فليس لنا التفتيش على العيوب وإيقاع الناس في الفتن، وأخطأت أيضا بأنك لم تستر زوجتك وأنك مأمور بستر المسلم فمن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، وعليك بمتابعة زوجك متابعة جيدة وعليك بتأمينها بحسن معاملتها وتهذيب ما تراه من نقص فيها ومن خلق سيئ، والأفضل أن تغنيها عن الوسائل التقنية بأن تملأ حياة زوجك بطاعة ربك وبقربك منها لتبعدها حقيقة أو واقعا عن هذه البرامج الحوارية التي تفسد البيوت وتغير الأنفس، فإن لم تجد منها صلاحا وإن لم تجد منها توبة صادقة، وإن وجدت منها عودة لما سبق فخلِّ سبيلها.
وعليك في النهاية أن تعالج الأمر الأهم الذي أراه يستحق منك وقفة أكبر من مجرد سؤالك عن إبقائها أو طلاقها، وهي علاقة أخيك بها، كيف ستتصرف فيها وكيف تحول بين أخيك وبين زوجتك، وهل توقف الأمر عند أخيك عند أدائه لدوره متفق عليه معك أم أن وراء الأكمة ما وراءها.
أسأل الله سبحانه أن يجمع بين قلوبنا على طاعته وأن ييسر الخير لنا وأن يباعد بيننا وبين كل سوء وأن يصلح فساد قلوبنا وأن يصلح بيوتنا وأزواجنا، وعليك أخي الكريم بحسن الصلة بربك وبكثرة اللجوء إليه.
__________________
[1] صحيح البخاري - الجمعة (853)، صحيح مسلم - الإمارة (1829)، سنن الترمذي - الجهاد (1705).