أنت هنا

تونس بين التفاؤل والقلق
8 محرم 1436
موقع المسلم

مع ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية التونسية تشكلت خريطة جديدة للسياسة التونسية، وبدا أن مرحلة "الدولة" بعد مرحلة "الثورة" ستكون بطعم لم يغب كثيراً عن مخيلة المواطن التونسي؛ فبعد أيام من انتهاء أجواء احتفالية بـ"الديمقراطية التونسية"، و"شفافية الانتخابات"، و"التداول السلمي للسلطة"، و"التجربة التونسية الرائدة في المنطقة"، بدا أن كثيراً من هذه العبارات ربما كان مفرطاً في التفاؤل، إذ يظهر أن الديموقراطية بمفهومها الغربية وتقاليدها العريقة ما زالت بعيدة كل البعد عن المغرب العربي تماماً كغيره من الدول العربية؛ فأول ردات الفعل على إعلان النتائج الأولية التي انتهت إلى إعلان نهائي بفوز حزب نداء تونس بـ 85 مقعداً مقابل 69 حصدتها حركة النهضة (ذات الجذور الإسلامية)، كان خطاباً مكارثياً من الحزب الفائز تدرج ككرة ثلج تظل تكبر مع الوقت لتكشف بوضوح عن نية الفائزين في العودة إلى الهوية التي فرضها نظام بورقيبة، وهي هوية ـ للتذكير ـ تفرض على المسلمين التخلي عن فريضة صيام رمضان لأجل المزيد من العمل! الطيب البكوش، القيادي في حزب نداء تونس، كشف بوضوح عن هذا التوجه مؤخراً بالقول: "هنّؤونا يا عرب، يا مسلمين. إنه استقلال جديد.

إنّها ثورة ثانية هادئة خرجت من صناديق الاقتراع. إنّها تونس الحبيبة بورقيبة ترفع رأسها من رماد الخيبات والإرهاب والتزوير".

 

 

هذا التصريح ليس نشازاً في انتخابات سارع فيها زعيم الحركة الخاسرة في الانتخابات بفارق 16 مقعداً إلى تهنئة الحزب الفائز؛ فلقد تكررت نظائرها على مدى الأيام الماضية، وهي تشي بمرحلة جديدة يحضر لها النظام القادم الذي سيقوده الباجي قايد السبسي (88 عاماً)، وهو الذي تقلد مناصب ذات طبيعة أمنية في ظل حكومات تونسية قمعية سابقة لـ"ثورة الياسمين"؛ فالتصريح سالف الذكر يستحيل أن يوجد نظيره في دول ديمقراطية عريقة لا تصف انتصارها بأنه "استقلال جديد"، كما لو كانت البلاد قد تم احتلالها من قبل الحزب المنافس، ولا عن "ثورة ثانية"؛ فالانتخابات لا تمثل ثورات بل أدوات ديمقراطية لإفراز من تختاره الجماهير، كما أن وصف المنافسين بالإرهاب والتزوير لا يقود إلى الاعتقاد بأن تونس ستمضي بالضرورة إلى حالة ديمقراطية رائدة في المنطقة، لاسيما لو أن ما يبشر بها القيادي المنتصر هو عهد بورقيبة سيء السمعة والحكم..

 

 

أيضاً؛ فإن استدعاء المسلمين والعرب في تنافس انتخابي يفترض أنه بين حزبين ينتميان إلى الإسلام والعروبة، يعني أن أحدهما ينظر للآخر على أنه ضد كلا المكونين الإسلام والعروبة، ويمهد لمرحلة قد تكون صدامية. هذا التفسير مقلق بطبيعة الحال، لكن هناك من لا يتوقع حصوله بافتراض أن تقارب حظوظ القوتين الكبريين في البرلمان سيحتم عليهما قدراً من التعايش ولو مؤقتاً لأن الحزب المنافس إما سيكون شريكاً في الحكم ـ وهو أمر مستبعد حتى الآن ـ أو يمثل المعارضة الأقوى ضد الحكومة بما يجعل امتصاص استجواباته وغضباته مما ستسعى إليه أي حكومة لا تستند بالضرورة إلى "دولة عميقة" أو قوى خفية تجعلها تستخف بالمعارضة..

 

فهل ستكون الحالة صحية في تونس بعد معاناة ما بعد "ثورة الياسمين" أم ستتسم بالاستبداد والإقصاء البورقيبية (التي لم يطلبها الشعب التونسي بالمناسبة، ولم ينادِ بها الحزب الفائز قبل إعلان النتائج، وإنما كشف هويتها بعد فوزه مباشرة)؟ كل الأمل في أن يلهم الله التونسيين رشدهم ويرزقهم الحكمة وتدبر أحوال المنطقة جيداً..