الإسلام والسياسة
26 محرم 1436
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

كان الظن أنه من نافلة القول الكلام حول شمولية الإسلام لجميع مناحي الحياة وعلى رأسها السياسة والاقتصاد والاجتماع ولكن كلما هدأت هذه النبرة الزاعقة من الأبواق الإعلامية المشبوهة في عالمنا العربي حتى تعود مرة أخرى على نحو أشد ومختلف وبتبريرات جديدة لعلهم ينجحون فيما فشل فيه إخوانهم من قبل...الحملة الجديدة التي بدأت عقب صعود الإسلاميين في بلدان الربيع العربي والمشاكل التي واجهتهم استندت إلى أنه لا أمل في نجاح خلط الدين بالسياسة بعد هذه التجارب وهو فهم متعسف للغاية متأثر كالعادة بالصراع الغربي بين الكنيسة والدولة والعلم التجريبي في العصور الوسطى وهو تأثر غير منصف لاعتبارات عديدة تتركز على أن الدين الإسلامي هو خاتم الأديان وتكفل الله بحفظه خلافا للديانة "المسيحية" التي كانت استكمالا لليهودية وتعرضت للتحريف..

 

أما اعتماد المشككين على التجارب التي مرت ببعض الدول في الفترة الأخيرة فهو خطأ من أوجه أهمها أن تجربة الإسلاميين هي مجرد اجتهاد من فئة معينة ولا تحسب على الإسلام ككل ولا على جميع الإسلاميين مثل فشل تجارب الرأسماليين في بلد ما رغم نجاح غيرهم في بلد أخرى ـ وهو قياس مع الفارق بالطبع ـ والأامر هنا يتعلق بطريقة الفهم والتطبيق ...ثانيا التجربة لم تكتمل في أي بلد حتى الآن ففي بعض البلدان تم التآمر عليها من الأنظمة القديمة والعلمانيين المتطرفين والبعض الآخر ما زال الصراع محتدما وعند استقرار الأوضاع نستطيع تقييم التجربة..ثالثا حتى يتم تقييم تجربة معينة بشكل جاد ينبغي أن تتوفر لها كافة عوامل النجاح وهو ما لم يحدث في التجارب الإسلامية القليلة التي شهدها العالم الإسلامي والتي تعرضت لحصار وتضييق في أغلب الأحيان...

 

من المداخل التي يحاول هؤلاء الدخول منها لتأييد وجهة نظرهم  أن السياسة أمر متغير والإسلام ثابت والربط بينهما يسيء للإسلام وهو أمر باطل تمام لأن الإسلام يضع مبادئ عامة ولا يدخل في جميع التفاصيل بل يترك الكثير منها لاجتهاد الفقهاء الذين يقيسون على المبادئ العامة والحقيقة أن الإساءة في محاولة قصر الإسلام على العبادات فقط ووصمه بانه لا يجاري التطورات التي تشهدها المجتمعات كما يردد هؤلاء وهو طعن صريح في الإسلام الذي ساد معظم أرجاء الأرض عندما التزم أتباعه به وحملوه إلى العالم ورأينا كيف دخل الناس في دين الله أفواجا لما رأوه من سماحته وبساطته وشموله وانسجامه مع كل نواحي الحياة..بعض الذين يحاولون إبعاد الإسلام عن السياسة يتحججون بداعش وبعض الجماعات الأخرى المشابهة وهي حجة واهية ستؤدي للترويج لهذه الجماعات لأن ارتباط الدين الإسلامي بالسياسة امر شديد الظهور في القرآن والسنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومحاولة نفيه تاكيد على أن الغرض هو مهاجمة الإسلام نفسه وليس بعض الجماعات كما ذكر إمام الحرم المكي، الشيخ الدكتور سعود الشريم، عندما اتهم الذين يهاجمون “الإسلام السياسي”، بالازدواجية في المعايير, وقال, أن هؤلاء في الوقت الذي يجرمون تدخل الإسلام في السياسة، يطالبون بتدخل السياسة في الإسلام, مؤكدا أن خصومتهم في الحقيقة مع اﻹسلام لا مع سياسته..

 

وهنا نصل إلى جوهر الحقيقة وهي أن الكثير ممن يروج لهذه المقولة قديما وحديثا عنده مشكلة مع الإسلام نفسه وليس مع ما يسميه "الإسلام السياسي" ولكنه يختبئ خلف هذا المسمى حتلى لا يثير غضب الجماهير لذلك تجدهم يهاجمون الحجاب والنقاب واللحية وعذاب القبر والحدود الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعتبرون الالتزام بها من الأمور التي أدت إلى "تخلف المسلمين" ـ على حد زعمهم ـ..

 

العجيب أن بعضا من هؤلاء المرجفين يدافع أشد الدفاع عن الاشتراكية والشيوعية حتى بعد سقوطهما المروع ويقولون أن هذه نظريات لا تموت! فهل يمكن لدين أنزله الله من فوق سبع سماوات يتكلم عن أمور الدنيا والآخرة ويهدي البشرية لكل الخير ويعتبر أكبر الأديان انتشارا على وجه الكرة الأرضية الآن ويشيد الكثير من معتنقيه الجدد برسمه الدقيق لطريق الإنسان في الحياة وعلاقته بمن حوله وشموله لكافة الجوانب التي تشغل بال الناس أن لا يصلح للتدخل في السياسة؟!