أمراضنا النفسية التي نصدرها لأبنائنا ؟!
3 صفر 1436
د. خالد رُوشه

يعاني كثير من الآباء من مشكلات نفسية مختلفة , لا يستطيعون إخفاءها عادة , وفي ظل الاحتكاك اليومي الدائم مع ابنائهم , يحدث أن يلحظ الابناء سلوكيات الآباء والأمهات , وتتكرر أمامهم ومعهم , فيقلدونها , وربما كانت تلك السلوكيات متأثرة بما يعانيه الآباء والأمهات من تلك الأمراض النفسية المختلفة .

 

وقد اسميتها ههنا أمراضا نفسية إذ هي بالفعل – وإن رآها البعض سلوكيات وعادات فحسب – ناتجة عن عدم سواء نفسي للوالدين أو أحدهما  ,  لقد رأيت بنفسي بعضا من الآباء والأمهات قد أحال حياة أبنائه جحيما لايطاق , وصدر اليهم أمراضا ماكنت أظن أنها تنتقل بهذا الشكل , ولله المشتكى

 

المشكلة الكبرى تكمن في انتقال تلك الأمراض وما يصاحبها من عادات إلى الأبناء بحكم طبيعة تكوينهم الذي يتميز بالتقليد وشدة الملاحظة , كما أن مكانة الوالدين في حياتهم مكانة كبيرة , فتنتقل العدوى ..ومن ثم تنتشر !

 

وأكثر ما ينتقل من الآباء والأمهات لأبنائهم مرض التوتر والقلق , وهو مرض ينتقل للأبناء بسرعة كبيرة  , وعادة يحصل ذلك بغير دراية من الوالدين , وسببه كثرة المشكلات بين الوالدين , وكثرة أحاديث القلق على لسان الوالدين , وبعض الأحداث التي يسىء الوالدان رد الفعل فيها أو يسيئآن التعامل معها .

 

وتتمثل الأعراض السلوكية للقلق في تدني مستوى الطفل الدراسي وانخفاض إنتاجيته، إضافة إلى انخفاض مستوى القدرة على الإبداع , كما أن هنالك أعراضا أخرى مثل الشرود الذهني وصعوبة الاستيعاب أثناء تلقي الدروس.
 أما الأعراض الجسدية فتتمثل في الشكوى من صداع واضطرابات النوم وظهور الكوابيس وقد يصل الى التبول اللا إرادي.

 

ويعد أبرز أنواع القلق ما يسمى بالخوف الانفصالي، ويعني خوف الطفل من الانفصال عن والديه وبيئته، أما النوع الآخر فهو القلق المحدد، وهو هاجس الطفل من أن يصاب بمكروه، أو أن يصاب أحد والديه.

 

وعلاج القلق يعتمد بالأساس على الوالدين كذلك ثم على البيئة الاجتماعية للطفل، حيث تعد الأسرة المصدر الدائم لشعور الطفل بالاستقرار والدفء والقدرة على التعبير عن المشاعر، وكذلك بث الثقة والطمانينة في نفسه .

 

مرض آخر هو سرعة الغضب والعصبية الزائدة , وهو نوع من الأمراض النفسية كذلك , وتنتقل للأطفال عن طريق المعايشة لأبوين عصبيين سريعي الغضب , فالوالدان يغضبان على كل شىء واي شىء , ويصرخان دوما في ابنائهما ويصرخان على الحوادث المختلفة , ككسر شىء ما من الاثاث وضياع شىء من الأدوات الدراسية , ويصرخان في الابناء عند كسلهم أو عند سوء فهمهم أو عند حصولهم على درجات قليلة وغير ذلك .

 

والغضب صفة بغيضة وزيادته مرض سىء , وقد اوصانا صلى الله عليه وسلم بعلاجه فقال " لا تغضب " , وعلاجه بالنسبة للأبناء يكون بمحاولة أن يسود جو من الهدوء في البيت , وأن تكون ردود الأفعال هادئة وعاقلة ومنطقية لا نفسية متوترة , كما يعالج بنشر مفهوم الحوار بالبيت , ومفهوم التعبير عن النفس .

 

ومن الأمراض المنتقلة لأبنائنا مرض الانطواء , فالوالدان إذا كانت طبيعتهما الانطواء سعيا دائما لملاحقة الأبناء , والإحاطة بهم , وإغلاق الابواب عليهم , ومنعهم من المصادقة والمصاحبة لزملائهم .

 

بل إن بعض الآباء قد يشوه صورة أصدقاء ابنائه رغبة في بعد الابن عنهم , والبعض يحرمهم من مجرد النزول لشراء بعض الحاجيات من دكاكين قريبة , فيخرج الولد منطويا على نفسه خائفا من مخالطة الناس , فإذ لم يجد بيئة صالحة تعالج انطواءه فيكبر معه ذلك ويصير صفة لازمة .

 

كذلك قد نغفل عن تصدير الاكتئاب لأبنائنا , فنصدره لهم بغير انتباه منا , فهم يرون والديهم دوما في حزن وضيق وهم , فلا يبتسمون ولا يتمازحون , ولا يتحاورون , وإذا تحدثوا تحدثوا حول الأمراض والهموم والمشكلات والقضايا الشائكة المظلمة , فحديث الاب كله ضد الأمل و وحديث الأم سرد عن الشكاوى في الأموال أو في سلوكيات الناس .

 

فعندئذ يتربى في عقل الابناء صورة قاتمة عن الحياة والناس , فيخرج الابن كارها لأقرب المقربين اليه , إذ إن والده قد شوه صورته في ذهنه , ويخرج ناظرا للمجتمع بنظارة سوداء , يسىء تفسير سلوكيات الناس , ويتعامل بإحباط مع الأخبار والأحداث ويكون منقطع الطموح .

 

وعلاج ذلك محاولة التربية على معاني الطموح والتقدم , وبث الأمل في نفوس الأبناء دائما , ونشر كلمات التشجيع بينهم , وذكر المديح لهم في سلوكياتهم الإيجابية , وتشجيعهم على الإنجاز والتفوق والتقدم وتقديم الهدايا والعطايا على التفوق والإبداع , وحكاية حكايات النجاح والإنجاز وغيرها ..

 

........................... يتبع إن شاء الله