إعلام القوة (2 ـ 2)
11 صفر 1436
أمير سعيد

كما تقدم؛ فإن الإعلام بحاجة إلى قوة تحميه، وتمنح الصحفيين والإعلاميين فيه حرية الحركة أكثر في تغطياتهم لقصصهم الإخبارية وتقاريرهم وآرائهم، وحيث هو ذاك؛ فإن المتلقي ذاته يتعاطى معه وفق هذه الأرضية التي تمنحه شعوراً أكبر ـ في غالب الأحوال ـ بالارتياح إلى ما يصدر عن "إعلام القوة" من حيث الوثوق أكثر من غيره بمستوى مصداقيته.

 

نحن ربما نلحظ إقبالاً من قطاعات شعبية على الإعلام الذي لا يتمتع برعاية نظامية أو إقليمية أو دولية، لاعتبار أنه "صوت المستضعفين" و"المعارضين" و"الغاضبين"، لكن في الحقيقة أن هذا الإقبال قد يكون في الأخير زائفاً أو ظرفياً أو محدوداً من حيث العدد ومن حيث قدرة هؤلاء ذاتهم على حماية إعلامهم الذي يتمنونه، وهي قدرة محدودة على أية حال. إنما في الجملة نحن بصدد قطاعات شعبية عريضة تسير من تلقاء أنفسها خلف "إعلام القوة"، وتذعن لأدبياته وأفكاره، ليس لأنها بالضرورة مقنعة، وإنما لأن خلفها من يحميها ويفرض أفكارها ولو بالقوة!

 

"إعلام القوة" بمقدوره أن يجلب استثمارات واسعة، ودعماً، وإعلانات، ويمكنه تحقيق انفرادات ولو كانت ليست نافعة بالضرورة، ولكنه يمكنه البقاء، والاستمرار، ويتمتع بعلاقات واسعة، وحماية قوية، ويجذب إليه الإعلاميين والضيوف وأساطين المال، و"الفن"، والمشاهير عموماً، الذين ينجذبون للقوة ورجالاتها، ويُشعر "المواطن" بأنه وحده القادر على قيادته إلى المعرفة والحقيقة.

 

ثمة أمثلة عديدة في محيطنا، تدل على أن الإعلام الجاذب فيما يخص صياغة العقول والأيديولوجيات ليس هو ذاك الذي يتمتع بالمصداقية بالضرورة، فهذا قد يستقطب أقلية، إنما الغالبية تنجذب بإرادتها السليبة إلى الإعلام الذي يفرض مالكوه سطوتهم سواء في الداخل المحلي أو الخارج الإقليمي والدولي. فلربما المتلقون الأريبون هم من يملكون أزِمّة أمورهم وأفكارهم، ويقلبون وجهات النظر، ويمحصون، لكن هؤلاء قليلون جداً بل نادرون.. البقية لهم معايير مختلفة، تذعن أكثر للإعلام النافذ الذي يملك أصحابه القوة المادية فعلاً، أكثر مما يسمح لنفسه بالتحليل العلمي والمنطقي، والاستسلام للمهنية وقواعدها.

 

إن بعضاً من قنوات التلفزة التي تتمتع بقدر أعلى من غيرها من المهنية في منطقتنا ليست مرغوبة من قطاعات جماهيرية عريضة ترى كل بلد قادر على إغلاق مكاتبها واحتجاز مراسليها أو طردهم؛ فيما تسلم قيادها أكثر لإعلام يمكنه أن يتحرك كيفما شاء ويقابل من شاء من النافذين، ويتمتع بحماية حقيقية، حتى لو كان هذا الإعلام تحركه دول عظمى تبدي هذه الجماهير رفضها الظاهري لسياساتها، لأنها تؤمن ـ على غير الحقيقة ـ أن المصداقية والقوة صنوان!