"أرشيف أتاتورك" والخوف من اللغة العثمانية
17 صفر 1436

ترجمة وتحرير تركيا بوست

لماذا الإنسان يخاف من تعلّم لغة أجداده؟ لماذا حين يأتي البعض لتعلم لغة أجداده يُعارَض بينما هناك الكثير ممن يجتهد بتعلّم اللغات من الانجليزية وحتى الصينية من باب توحيد العالم ؟
 هل هذا باسم الكمالية؟

 يا تُرى لو ننظر إلى أرشيف خطابات أتاتورك هل بإمكانكم أن تفهموها؟ لا.
كذلك أيضا هل أردتم قراءة أول رواية تركية كُتبت بعنوان "عشق طلعت وفتنة"؟

 

 لا تستطيعون قراءتها ! لأنكم لن تفهموا منها شيء وأنا أيضا لن أفهم. لقد قرأها جدي ولن أنسى حين سألني وهو يقلّب صفحات كتابي كتاب الأدب التركي :"لماذا لا توجد رواية عشق طلعت وفتنة في هذا الكتاب؟ ما هو شكل الأدب الذي تتعلمونه هذا؟". أنا لم أفهم شيء مما قاله لكن كتبت اسم الرواية على ورقة وفي اليوم التالي سألت معلمتنا تركان معلمة الأدب التركي هذا السؤال، نظرت إلي وأرسلتني فورا إلى المساعد ، فقط لأنني سألت هذا السؤال مَسَكني من شحمة أذني ولطمني خلف رقبتي! سؤالي البسيط هو لماذا كانت ردّة فعل المساعد والمعلمة توركان هكذا؟ لأنه تم توظيفهم في وزارة التربية والتعليم بشرط أن يقطعوا أي صلة ممكن أن تؤدّي بنا إلى اللغة العثمانية. أظنّ أنّنا كنّا من البلدان النادرة التي كانت تمارس هذا التصرف في العالم.

 

حتى تفهموا شكسبير عليكم تعلّم اللغة الانجليزية القديمة أولاً وإلا لا يمكنكم فهم رواياته مثل هاملت. الفرق بين اللغة الانجليزية القديمة والانجليزية الحديثة كبير سواء أكان في تركيب الجملة أم في استخدام المفرادات فمثلاً الضمير "أنت" في الانجليزي الحديث تغيّر تماماً عمّا كان عليه في اللغة الانجليزية القديمة لذلك إن لم تكن تعلم هذا فلا يمكنك أن تفهم ما هو مكتوب أبداً.

 

يتم إتاحة مادة اللغة الانجليزية القديمة كدرس اختياري في المدارس هناك حتى يتمكن الطلاب من النجاح في مادة الأدب وفهم روايات شكسبير وبالتالي جميع الطلبة الانجليز يختارون هذا الدرس.

 

في انجلترا لأنهم لم يقطعوا الحبل الذي يربطهم بالعصور الماضية بسهولة يوجد اليوم معلمون قادرون على تعليم لغة كانت محكية قبل مئة عام بينما في تركيا لا يمكن أن يكون هناك عدد كافي لتعليم اللغة العثمانية ولهذا السبب على درس اللغة العثمانية أن يأخذ مكانه بين الدروس الاختيارية الأخرى وأظن أنّ هذا هو الأصح.

 

كان المرحوم كمال طاهر يقول لأنّه كان مفروضاً عليهم أن يعلمّوا الأجيال القادمة تاريخهم العثماني علّمهوم التاريخ الرسمي المذكور في الكتب. فعلياً هو محق لأننا أصبحنا الآن نعرف أنّ هناك فروقات كبيرة بين تاريخنا الحقيقي والتاريخ الرسمي فمثلاً طبعة الكتب الدراسية يُعلًّم فيها أنّ السلطان الأحمر السلطان عبد الحميد الثاني هو شارب الدماء وعديم الشفقة. بالفعل نحن مؤخراً علمنا أنّ فاتح والقانوني هما أحد أكبر السلاطين في الدولة العثمانية.

 

لو أنّه لم تحصل تلك الضربة القاسية التي أصابت كل ماهو متعلّق بماضينا لما كان علينا أن ننتظر كل هذا القدر من السنوات لمعرفته ولكنا وجدنا أنّ أبطالنا ليسوا في أفلام هوليوود وإنّما في ماضينا.

 

إنّ مثل هذا المجتمع الذي قُطع عن ماضيه ومعتقداته وتقاليده في النهاية سيرغب أن يعانق أجداده مجددا فكل من يحاول أن يعرقل هذا العناق بترهات فإنها ليست حقيقية ولا يمكن لها أن تكون. إنّ من يقوم على تكبير وتطوّير المجتمعات المنفي ماضيها على حساب تغذيتها بماضي كاذب وخاطئ لا يمكن إنقاذهم من أن يشعروا بالإهانة لذلك يعد تعلّم اللغة العثمانية مهم للغاية.

عزيز أوستل - صحيفة ستار