23 صفر 1436

السؤال

ما حكم تغطية الوجه واليدين ولبس القفازين للمحرمة وغير المحرمة، وبم نرد على المخالفين؟
مع التركيز والتوضيح والتفصيل؛ لكثرة الجدل والجدال في هذه المسائل.

أجاب عنها:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فأولـًا: يجب على المرأة أن تغطي وجهها ويديها، هذا هو الأصل، وقد صدر منا جواب مفصل في حكم الحجاب، هذا نصه:
الذي دلت عليه الأدلة الشرعية: أن ستر وجه المرأة واجب في حضرة غير محارمها؛ لأنه مجمع الزينة التي أُمر المؤمنات ألا يبدينها لغير محارمهن في قول الله سبحانه: { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } (1) الآية.
وقد ورد إلى اللجنة سؤال نحو هذا، أجابت عنه بالفتوى الآتي نصها:
لا خلاف بين العلماء فيما نعلم أن رأس المرأة وشعرها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها، وإن كشف ذلك لغير المحارم حرام، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ } (2).
قالت أم سلمة لما نزلت هذه الآية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (3) خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها، قال ابن عباس أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة(4).
وقال محمد بن سيرين سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ } (5)، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى(6).
وقد بين الله الحكمة في ذلك بقوله: { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } (7) أي: ذلك الستر أقرب إلى أن يعرفن بالعفة وصيانة العرض، فلا يتعرض لهن أحد بغرض ريبة، طمعا فيهن ورغبة في أن يتمتع بهن، أو يقضي وطره منهن، وجلباب المرأة هو: الملاءة التي تلتف بها.
وقال تعالى: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } (8) الخمار: غطاء رأس المرأة، وهو لها بمنزلة العمامة للرجل، وجيب الثوب فتحته التي يدخل منها الإنسان رأسه إذا لبسه، ويخرجه منها إذا خلعه، وضرب الخمار على الجيب: إضفاؤه عليه، مع إحكام الستر به.
والمعنى: وليلقين بالطرف الزائد من غطاء رؤوسهن على نحورهن، ويتقنعن به تقنعا محكما، ليتم لهن بذلك كمال ستر النحور والأعناق مع الرؤوس، فلا يرى منها شيء.
وروى البخاري من طريق عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: « يرحم الله النساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: شققن مروطهن فاختمرن بها » (9) أي: غطين رؤوسهن.
وروى ابن أبي حاتم وأبو داود في (سننه)، من طرق صفية بنت شيبة قالت: «بينما نحن عند عائشة -رضي الله عنها- قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة إن لنساء قريش لفضلا، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا لكتاب الله، ولا إيمانا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور: انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجرت به تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتجرات، وكأن على رؤرسهن الغربان» (10).
فهذه عائشة أم المؤمنين فهمت من الآية الأمر بستر المرأة رأسها عن غير محارمها، وأثنت على النساء المهاجرات، وعلى نساء الأنصار أكثر لفهمهن من القرآن وجوب ستر المرأة رأسها عن غير محارمها، ومسارعتهن إلى العمل بذلك، وأثنت على رجال الأنصار، حيث تلوا على أهليهم وذوي قرابتهم آيات القرآن التي تشرح ما يجب من ستر العورات، وصيانة الأعراض، وسد ذرائع الفتنة، وكل هؤلاء عرب، أنزل القرآن بلغتهم، ففهموه الفهم الصحيح، ثم كان من القيم البلاغ، ومن نسائهم التنفيذ؛ إيثارا لكتاب الله وشرعه، ومخالفة لما كمان عليه أهل الجاهلية من كشف العورات.
وروى الترمذي عن طريق ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « المرأة عورة » (11) وقال الترمذي : حسن صحيح.
أما ما ذكره في السؤال من أن الخمار ينزلق عن الرأس ويرتمي على الكتفين، وكلما أعيد سقط، وأن هذا مشغلة للبال، ولافت للأنظار، ومثار للسخرية والاستهزاء، ومدعاة إلى الخجل- فليس فيه ضرورة تكون عذرا للفتاة المسلمة حتى يباح لها كشف الرأس وما في حكمه من زينتها؛ لأنه ممكن تفاديه بإحكام لبسة الخمار، والتقنع به، ومعرفة مثل هذا سهلة، وخاصة على من نشأت في بلاد إسلامية، وعاشت في بيت محافظ، شأن نسائها الحجاب، بل كل فتاة مسلمة أرادت ضبط ملابسها وإحكام لبستها، وجدت السبيل إلى ذلك دون عناء، وفي الأمثال العربية: (إن العوان لا تعلم الخمرة) ثم إن البيئات التي طغى فيها الانحلال وفساد الأخلاق والأوساط التي عم فيها الاستهزاء بالمحافظات، والسخرية من العفيفات المتسترات توجب على الفتاة المسلمة أن تعتصم بدينها أكثر، وأن تكون المقاومة لديها أشد، وأن تعتد بنفسها وبأخلاقها وبعادتها الكريمة، التي ورثتها من بيئتها الأولى الإسلامية، حتى تكون مثلا أعلى يحتذي حذوها من رآه من أخواتها المسلمات ويتشجعن على التحلي بما يصون عفافهن، ويقطع الأطماع فيهن، ويحفظ عليهن كيانهن من الانحدار فيما هوى فيه من ضعفت عزيمتها، وهانت عليها نفسها ودينها وإنسانيتها، عصمك الله وزميلاتك من الزلل، ويسر لكن سبيل العلم والسلامة من الشر.
وبهذا يتبين أنه يجب على المرأة غير المحرمة ستر رأسها ووجهها ويديها عن الرجال الأجانب منها.
ثانيا: الواجب على المرأة المحرمة كشف وجهها ويديها؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين » (12) أخرجه البخاري.
لكن إذا رأت الرجال الأجانب فإنها تستر وجهها ويديها، والأصل في ذلك ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: « كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه » (13).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو:
عبد الله بن قعود.
عضو:
عبد الله بن غديان.
الرئيس:
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سورة النور الآية 31.
(2) سورة الأحزاب الآية 59.
(3) سورة الأحزاب الآية 59.
(4) ابن جرير الطبري في (التفسير) 20 / 324 (في تفسير الآية 59 من سورة الأحزاب).
(5) سورة الأحزاب الآية 59.
(6) ابن جرير الطبري في (التفسير) 20 / 325 (في تفسير الآية 59 من سورة الأحزاب).
(7) سورة الأحزاب الآية 59.
(8) سورة النور الآية 31.
(9) البخاري 6 / 13، وأبو داود 4 / 357 برقم (4102)، وابن حرير الطبري في (التفسير) 19 / 159 (في تفسير الآية 31 من سورة النور)، والحاكم 2 / 397، 4 / 194، والبيهقي 2 / 234، 7 / 88.
(10) أبو داود 4 / 356 برقم (4100)، وابن أبي حاتم وابن مردويه، كما في (الدر المنثور) 5 / 42 عند تفسير آية ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ).
(11) رواه من حديث عبد الله -رضي الله عنه-: الترمذي 3 / 476 برقم (1173)، وابن خزيمة 3 / 93، 94 برقم (1685 -1687)، وابن حبان 12 / 412،413 برقم (5598،5599)، والطبراني في (الكبير) 8 / 101 برقم (10115)، وفي (الأوسط) 8 / 101 برقم (8096)، والبزار (البحر الزخار) 5 / 427،428 برقم (2061، 2062، 2065)، وابن عدي في (الكامل3 / 423 في ترجمة سويد بن إبراهيم.
(12) أخرجه مالك 1 / 328 (من قول ابن عمر)، وأحمد 2 / 22، 32، 119، والبخاري 2 / 214-215، وأبو داود 2 / 411، 412 برقم (1825،1826، والترمذي 3 / 194-195، برقم (833)، والنسائي 5 / 135-136 برقم 5 / 135-136 برقم (2681)، والبيهقي 5 / 46، 47.
(13) أخرجه أحمد 6 / 30، وأبو داود 2 / 416 برقم (1833)، وابن ماجه 2 / 979 برقم (2935)، والدارقطني 2 / 294، 295، وابن خزيمة 4 / 203-204 برقم (2691)، وابن الجارود 2 / 60 برقم (418)، والبيهقي 5 / 48.