الضيق النفسي المفاجىء .. وعلاجه
1 ربيع الأول 1436
د. خالد رُوشه

[email protected]

أحيانا ما يصيب المرء حالة من الانغلاق والضيق النفسي الوجداني , يشعرعندها بعدم الرغبة في القرب من الطاعات , بل ويشعر بقربه من المعاصي والآثام , وعادة ما تكون هذه اللحظة هي لحظة الولوغ في الإثم واكتساب السيئات ..

 

تتصف تلك اللحظات بعدة مواصفات من أهمها شعور بتكدس القلب على ما فيه  , وعدم القدرة على الوصف لما يستشعر به الإنسان في نفسه , وتكاسله عن أداء الطاعات , وشعوره بثقل النوافل , بل والفرائض في بعض الأحيان , مع افتقاد النشاط للاستغفار , وافتقاد القدرة على استحضار القلب فيه , بل قد يمتد ذلك الى سوء الخلق مع الوالدين والمقربين , والرغبة في الصمت ..وغيرها مما يعرفه الجميع .

 

وغالبا ما يكون توصيف النفسيون لتلك الحالة هو توصيف بنوع من أنواع الاكتئاب " البسيط " أو المؤقت , ويصفون في ذلك أدوية كيميائية مضادة للاكتئاب ويصفون خطوات عملية من قبيل الخروج للمتنزهات , والانشغال بالأعمال وغيرها وعادة ما تجد المرء الذي يعاني من ذلك لا يستطيع تنفيذ ذلك !

 

علماء النفس ليس عندهم جواب محدد لأسباب تلك الحالة , وغاية ما يقولونه هو إرجاع ذلك لتراكم سلبي من المواقف , وزيادة أو نقص في افراز هرموني  , وكل ما يقولونه قد يكون صحيحا وصائبا , وفي أحيان كثيرة ينتج العلاج الطبي النفسي تحسنا قليلا , لكنه عادة لايقوم على تحليلات معملية أو غيره , فيظل الأمر رهنا بتقدير الطبيب النفسي , بل وتجربته الدوائية والعلاجية , مما يمكن معه أن يغير الطبيب أكثر من دواء على المريض ليرى أثره , كما أن تناول جرعات تلك الأدوية قد يستغرق فترات طويلة جدا , قد تؤثر سلبا على نفس المرء , وتجعله رهينا لها !

 

وبالعموم فلا ننصح بالمسارعة إلى العلاجات النفسية الطبية في مثل تلك الحالات البسيطة والمؤقتة والعارضة , وإنما يلجأ اليها في الحالات التي تفشل فيها المعالجات الأخرى , إلا أن تكون زيارة الطبيب النفسي زيارة تفريغ نفسي وفضفضة ونصح وتوجيه بعيدا عن العلاجات والأدوية .

 

لاشك أن العلاج الشرعي الإيماني لا يتعارض مع العلاج النفسي الطبي , بل يدعمه ويقويه , ومعظم الأطباء النفسيين النابهين يهتمون بتقوية الإيمان والثقة بالله سبحانه في علاجاتهم .

 

العلاج الشرعي الإيماني هو الأكثر إفادة بل والأكثر سرعة وأثرا , وهو علاج فعال إذ يدرب المرء على التصرف كلما عاودته تلك المشاعر , وعندما أسميه علاجا فإنما اقصد التسمية العرفية لذلك , وإلا فاللجوء إلى العبادة والاستغفار والاستعاذة من الشيطان هي أمور شرعية مأمور بها دوما وهي طريق أهل الإيمان , ولا يجب تناولها أو ممارستها بغرض مؤقت أو لحالة بعينها وإغفالها في أخرى ..

 

سبب هذه الحالة فيما يرى العلماء هو الشيطان , وتسلطه على المرء , وحالة القبول النفسي لآثاره السيئة , فالشيطان يريد دوما بث الحزن في نفس المؤمنين , وتحميلهم الهموم , ليقعدهم عن الصالحات , ويقعدهم عن الإنجازات .

 

النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من الحزن والهم , فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه أنه كان كثيرا ما كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" الله إني أعوذ بك من الهم والحزن " أخرجه البخاري , وعن عبد الله بن مسعود قال: " إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ  " أخرجه الترمذي وهو صحيح موقوفا .

 

والتغلب على تلك الحالة بمراعاة عدة امور :

 

أولها : الاستعاذة بالله سبحانه من الشيطان الرجيم , وهي استعاذة باللسان , مع ثقة في الله سبحانه بالقلب , ثقة في قدرته سبحانه وعظمته ورحمته .

 

ثانيها : الشكوى الى الله سبحانه مما يجد , ومناجاة الله سبحانه بآلامه , وطلب تفريج كربته , والدعاء بما يريد من العلاج والشفاء , وأهم تلك الأدعية ما وجه اليه صلى الله عليه وسلم في حالات الهموم والأحزان ومنها" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن " ..

 

ثالثا : سد الطريق على الشيطان بالاستغفار , والإكثار منه , وعادة في حالات الاغلاق النفسي يصعب على المرء احضار قلبه اثناء الاستغفار , فيكتفي بتحريك لسانه , ونقول له لابأس بذلك فدرب لسانك على الاستغفار قليلا على ما يتيسر لك من حال , ومع كثرة الاستغفار سيحضر القلب وتستشعر النفس .

 

رابعا : ان يفتح لنفسه طرائق من الخير غير تلك التي يستشعر انها مغلقة أمامه , فلئن استشعر انغلاقا تجاه الصلاة فليقم بالصدقة وليسارع إليها , وإن كسلت نفسه تجاهها فليهتم برعاية يتيم وكفالته , أو ليبادر بزيارة المرضى , أو بالمكوث في المساجد فلربما يستمع لعلم او نصح وهكذا ..

 

خامسا : محاولة استحضار الذنب والتقصير في جنب الله سبحانه , مع استحضار حق الله عليه ومدى غفلته , ويعترف بذنبه , ويرجو قبول التوبة , " اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت , فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم "

 

سادسا : يمكنه أن يرقي نفسه بالرقى الشرعية الثابتة من الكتاب والسنة , كالفاتحة والمعوذات , والاستعاذة بكلمات الله التامة , وباسم الله الذي لايضر مع اسمه شىء في الأرض والسماء وهو السميع العليم و وغيرها , فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول اللهم رب الناس أذهب الباس اشفه وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما " أخرجه البخاري , وفي موطأ مالك عن عائشة رضي الله عنها أنه – صلى الله عليه وسلم – رقى نفسه بذلك وكان يضع يده على موضع الوجع .

 

سابعا: صحبة خير وتعاون على البر والتقوى في معروف , ومشاركة في عمل صالح .

 

فان شعر بانفتاح نفسه قليلا فليبادر الى القرآن الكريم ففيه الشفاء وتمام الشفاء , وليستكثر منه , يقول سبحانه :" ألا بذكر الله تطمئن القلوب " , وليبادر الى الصلاة , يقول سبحانه : " واستعينوا بالصبر والصلاة "