شتائم الإنترنت !
16 ربيع الأول 1436
طلعت رميح

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى وسيط لتبادل الشتم والسباب وبأقذع الألفاظ، فتغيرت صفتها من مواقع للتواصل إلى وسيلة لتخريب العلاقات داخل المجتمعات العربية، قيما وتماسكا وسلوكا وتربية وأخلاقا، لقد أصبح الإنسان الفرد معرضا بصفة يومية لكمية هائلة من الألفاظ الخارجة والجارحة التي لا تترك جزءا من الجسد أو القيم إلا وانتهكته.

 

ولمن لا يعلم، فالمواقع الإخبارية والسياسية والصفحات وهوامش التعليق على المقالات والتصريحات والتدوينات صارت تشهد سبا وشتما وصل إلى درجة يصعب التغاضي عنها أو النظر إليها كحالة عابرة لما تخلفه من جروح غائرة وعادات رزيلة تغير النفوس والقيم وتثير أسوأ أشكال وأنواع الكراهية وتذهب عقول الشباب عن الاهتمام بالحوار واستخدام العقل والارتقاء وتدفع بهم إلى مستنقعات لا أول لها ولا آخر.

 

وفي متابعة تلك الظاهرة الكريهة، يجد المتابع قصدا "سياسيا مع سبق الإصرار والترصد" في الوصول بالحوارات والنقاشات والآراء بين الناس إلى تلك الحالة، فهناك من يستهدف هدم صورة الشخصيات العامة والقادة، عبر ما يسمى بكسر الهيبة الشخصية وتشويه الصورة العامة –كما جرى الحال مع أول رئيس مصري منتخب بعد ثورة يناير – ومن يسعى لمنع الشخصيات القيادية الفكرية والسياسية والثقافية الرائدة في مجالاتها، من تقديم المساهمات المتميزة، حتى لا تتعرض لتلك الحالة من السباب ودفعها للنأي بنفسها عن الانزلاق في هذا المستنقع، وهناك من يعمل ليل نهار لتثبيت حالة الانقسام داخل المجتمعات لضمان استمرار جمهوره العام إلى جانبه أو في صفه، عبر السب لجلب السب المقابل من الطرف الآخر، وتلك أول أبجديات دفع الجمهور العام للاقتتال في الحروب الأهلية، ويبدو أن هناك من يستهدف التدني إلى هذا المستوى لإفشال محاولات أعمال العقل، فيما يجري من أحداث ووقائع وصراعات سياسية كبرى، إذ الحوار يمكن أن يؤثر على العقول، فيما السباب يمنع التواصل من الأساس ويجعله مخاطرة شخصية ونفسية، ويشكل دافعا مسبقا للدخول إلى تلك المواقع بقصد المهاترة والسباب.

 

 

والمتابع جيدا يلحظ أن الشتائم والسب ليست حالات شخصية للتنفيس عن غضب غير منضبط أو حتى لممارسة أفعال ترتبط بسوء الخلق -وتعبير عن حالة جبن نفسي إذ يجري ممارسة السب تحت الشعور بعدم وجود حساب وعقاب -بل يجدها أعمال سب ذات طابع سياسي وطائفي ومذهبي وديني وجهوي وقبلي بل يجري تبادل السباب باسم شعب ضد شعب آخر، وهو ما يوجب رفع الاهتمام بأبعاد تلك الظاهرة، التي يجد البعض أنها محاولة مقصودة لإفساد الحريات التي وفرتها تلك المواقع وتقليل الاستفادة من درجة العلم والثقافة التي أتاحتها ولعبة خبيثة للتأكيد على عدم استحقاق الناس للحرية التي تتيحها، كما هي محاولة لإضعاف الاهتمام بالمواقع التي تطرح أفكارا وثقافة عامة أو دراسات ذات طابع رصين، ودفع للناس للانغماس والإقبال على تلك المساحات لمتابعة وصلات السب المتبادل. وقبل هذا وبعده، هي حالة ضمن حالات التجهيل للجمهور العامة، ومن يتابع أجهزة الإعلام فسيجد طوفانا من الخرافات والخزعبلات التي تنشر ويروج للاهتمام بها، لصرف الناس عن متابعة قضاياهم الحقيقية.

 

تلك الحالة باتت تستفحل بين المشاركين فيها، حتى صرنا نشهد انغماس أناس لا يقبل منهم هذا الانجرار لمثل هذا السلوك، والوقوع في تلك الممارسات تحت دعوى الرد على الآخرين، أو تحت دعوى أن عدم الرد قد يكسب الآخرين قوة ومصداقية، بل يجب الإدراك بسوء النتائج على الجمهور العام، وأن الرد بالمثل - أيا كانت الأفكار حول أسباب تلك المشاركة- لا يحقق سوى تمكين الأطراف التي تقصد الذهاب بالجمهور العام إلى تلك الحالة عبر توسيعها وتعميمها وجعلها لغة سائدة. والبديل هو اعتماد الطرق "المحترمة" والأكثر فائدة في الرد على تلك الحالة القصدية، بما يحقق درء الفتن، وتفويت الفرصة على عملية قصدية تستهدف النمط القيمي السائد وتعمل على إكساب المواطنين عادات سوقية تفتح الطرق أمام الساعين لإلهاب المشاعر وتشكيل مظلات الأحقاد النفسية..إلخ.

 

قد يتطلب الأمر شن حملات إعلامية لفضح الأهداف الحقيقية خلف إشاعة تلك الحالة المزرية، وقد يكون الأكثر فائدة في المواجهة هو التأكيد على الخلق وأدب الحوار مع أمثال هؤلاء، وفي كل الأحوال فإن عدم الرد: هو أبلغ رد.

 

 

المصدر/ بوابة الشرق