29 جمادى الأول 1436

السؤال

أريد دخول قسم كلية الشريعة، لكن والدتي ترفض رفضاً شديداً وتقول لي ادخل الطب أو الفيزياء؛ لدرجة أنها تدعو عليّ إذا دخلت هذا القسم، خاصة أني أحب الشريعة؛ فما الحل؟

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
نشكر لك أخانا الكريم ثقتك بإخوانك في موقع المسلم ونسال الله سبحانه أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وان يهدي كل شباب المسلمين لصلاح القول والفعل وان يرينا ويريك الحق حقا ويرزقنا اتباعه.
أخي الكريم:
لا شك أن بر المسلم بوالديه واجب شرعاً، فقد أمر الله به في كتابه وجعله بعد الأمر بالإيمان به مباشرة في أكثر من موضع فقال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وقال أيضاً: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}.
ومن البر الطاعة لهما وإظهار الخضوع بين أيديهما بشرط عدم الأمر بالمعصية، فلا طاعة لمخلوق أياً كان في معصية الله سبحانه، فقال عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وأرى أنه لا خلاف بينك وبين والدتك – حفظها الله – إذ إنكما معاً تنشدان نفس الهدف، والخلاف فقط في الوسيلة، وهذا هو الأمر الأكثر يسراً بإذن الله، وحله بعون الله بسيط.
فالأم والأب دائماً وأبداً ينشدان السعادة لأبنائهما في الدنيا والآخرة، وهما الوحيدان اللذان يتمنيان للابن أن يكون أفضل منهما، ويريدان أن يجنباه أي مشكلات تعرضا لها بما يرونه أنه في صالحهم في الدنيا والدين، ولهذا هي ترى أن المستقبل – وغالبا المادي الدنيوي هو أمر معتبر – في دراسة الطب أو الفيزياء لما تراه من ترقي أصحاب هذه المهن وحصولهم على ما ينفعهم في الدنيا والدين.
ولا شك أيضا أنك ترى أن مستقبلك وميولك العلمية والنفسية يتوافق مع دراسة الشريعة لما تراه أنت أيضاً أنه أنفع لك لإرضاء ربك، ولهذا لا خلاف جوهرياً بين ما قصدْتَ وما قصدَتْ والدتك، وإنما الخلاف فقط في الوسيلة لتحقيقه.
ولعل الأفضل أن تجلس مع والدتك أو تنتدب لذلك بعضاً من كبار أسرتك بعد شرح وجهة نظرك في هذا الأمر، ولعل هذه الجلسة يمكن أن تزيل أي خلاف بينكما في الرأي.
وعليك بإقناعها بأن هذه هي ميولك ورغبتك، فكم من الناس التحقوا بكليات تعتبر مرموقة في نظر المجتمع لكن لاختلافٍ بين ميولهم وبين موادها لم يستطيعوا التأقلم على الاستمرار، فخسروا وقتهم وجهدهم وثقتهم في أنفسهم، وهذا مشاهد كثيراً في حياتنا ومجتمعاتنا.
وعليك أنت أيضا أن تستخير في الأمر فلا تتركه للرأي والهوى منفرداً، وعليك أن تسأل من تثق به في تقييم ميولك عن التخصص الذي يصلح لك فربما أنت من لم تقدر مواهبك حق التقدير، فربما تكون هي على صواب وأنت من تغفل جوانب كثيرة فيك ربما تزيد من جدارة رأيها وأنه غير مبني على العاطفة وحدها.
ويجب أن يكون الأمر مرناً منك ثم ستجد المرونة منها بإذن الله، فغالبا المواقف تواجه بمواقف مضادة لها مساوية لقوتها، فإذا تصلبت أنت في رأيك ورفضت النقاش زادت حدته عند كل من أمامك سواء والدتك أو غيرها، فما كان الرفق في شيء إلا زانه كما أوصانا الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وشيء أغفلته – أخي - في رسالتك أنك ذكرت رأي والدتك فقط ولم تذكر رأي أبيك أو كبار رجال أسرتك في هذا الأمر، فلا شك أنهم أيضا ذوو خبرة في الحياة فيمكنهم أن يدلوك، فاستعن بالله واجلس مع والدتك واشرح لها الأمر وخذ الأمر بالرفق واليسر والمرونة، وستجد منها بإذن الله ما يرضيك.
وحاول يا ولدي عدم إغضاب أمك للدرجة التي تدعو فيها عليك، فدعوة الوالد على ولده لا ترد، وليحذر كل أب وأم من أن يدعو على ابنه وليجعل الدعوة له لا عليه، فالأمر كله بيد الله سبحانه.
وفقك الله يا بني ويسر لك أمرك وأسأله سبحانه أن يحفظك من كل مكروه وسوء.