8 ربيع الثاني 1438

السؤال

تحدث خطيبنا في الجمعة عن منزلة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقال في أثنائه: إن قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظم عند الله -تعالى- من الكعبة والعرش والكرسي واللوح المحفوظ. واستدل على هذا بقوله: إن الإمام مالكاً سأله أحد الناس: أين أتوجه عند الدعاء، للكعبة أم لقبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ فأمره الإمام مالك بالتوجه لقبر الرسول-صلى الله عليه وسلم-. فهل هذا الكلام صحيح؟

أجاب عنها:
أ.د. عبدالله عمر الدميجي

الجواب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فهذا الكلام غير صحيح جملة وتفصيلاً. أما أن قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم عند الله -تعالى- من الكعبة والعرش والكرسي واللوح المحفوظ. فأين دليل ذلك من قول الله -تعالى- أو من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؟! وما دام لم يرد عن الله -تعالى- ولا عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- فكيف نقول على الله بغير علم، ونقول إن هذا أفضل -عند الله-؟! "قل أأنتم أعلم أم الله". والله تعالى قد أخبرنا بفضل الكعبة وتعظيمها وتعظيم العرش والكرسي، ولم يرد نص في تفضيل قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فضلاً عن أن يكون أعظم عند الله من هذه الأمور المعظمة شرعاً. أما الاستدلال بهذه الحكاية المنسوبة للإمام مالك فهي باطلة من جهتين: أولاً: من جهة الإسناد: ففيه عدة علل ليس هذا مكان بسطها، ولكن منها: أ- أن محمد بن حميد الرازي -راوي الحكاية عن مالك- متهم بالكذب. قال عنه البخاري: في حديثه نظر. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الجورقاني: رديء المذهب غير ثقة. ب- الانقطاع بين ابن حميد هذا وبين مالك، فهو لم يسمع من مالك ولم يلقه. فلو كان ثقة فالإسناد منقطع. ج- أنه لم يرو هذه الحكاية غير ابن حميد، ولم يروها أحد من أصحاب مالك مما يدل على شذوذها. د- أن في الإسناد غير ابن حميد ممن لا تعرف حاله فهم مجاهيل. ثانياً: ومن جهة المتن فهذه الحكاية تخالف الثابت عن الإمام مالك -رحمه الله- فقد قال القاضي عياض في المبسوط عن مالك: "لا أرى أن يقف عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن يسلم ويمضي". الشفاء (2/671-678). ثم إن مالكاً -رحمه الله- كان أبعد الناس عن البدع؛ ولذلك كره قول الرجل: زرت قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكره تتبع الآثار التي بالمدينة، وكره التردد للسلام عليه -عليه الصلاة والسلام-، وقال: "إنما ذلك للغرباء" يعني الذين يقدمون إلى المدينة من سفر. ينظر الشفاء للقاضي عياض (2/667)، والعتبية (18/444)، والبدع والنهي عنها لابن وضاح المالكي (45). ثم إن طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم ودعاءه واستغفاره بعد موته وعند قبره ليس مشروعاً عند أحد من أئمة المسلمين، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء. والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.