حروب الخطوط المتداخلة
5 ربيع الثاني 1436
طلعت رميح

يشتعل في منطقتنا صراع حربي، يتلوه صراع حربي جديد، إذ كل صراع حربي صار بمثابة فتيل إشعال لصراع حربي آخر، حتى وصلت الأمور إلى حد الاشتعال الكامل والدائم، وهو ما أنتج حالة معقدة من حروب الخطوط والمواقع المتداخلة التي تربك العقول وتثير حالة شاملة قاسية من الفوضى، تؤثر على فهم ما يجري وتحديد المواقف منه.

 

هي حالة تحدث حين تندلع وتتطاول الحروب والصراعات داخل أكثر من بلد في ذات المنطقة، وحين تجري تلك الحروب بمشاركة أطراف عديدة خارجية دولية وإقليمية متضاربة المصالح والاستراتيجيات والأهداف. ما يجري في طول البلاد الأمة وعرضها يظهر أمام الناس وكأنه حالة فوضى عارمة، يصعب فهمها بحكم أننا تعودنا على أن الحروب تجري واضحة المعالم بين طرفين، فيما الحروب جارية الآن بين عشرات الأطراف المشتبكة في بلاد متعددة ووفق أهداف مختلفة وبمقاييس متضاربة للمواقف. وفي مثل تلك الحالة (الراهنة) يجري الانغماس في الحروب والصراعات دون تفكير في الاستراتيجيات العليا إذ تغيب الرؤى الكلية، بحكم أن الصراعات تجري على أسس قبلية وجهوية وحزبية وعلى طريقة أن الرشاش والمدفع يجب أن يصوب على شيء محدد يرى بالعين أو المنظار. وخلالها يكتشف كل طرف أنه حين يمارس العنف أو القتال فهو واقع في تماس أو تقاطع مصالح، مع قوى أخرى هو يرفضها أو يبغضها أو يراها عدوة له، وهو ما يزيد من حالة تشويش المشهد.

 

لقد كان العرب في مواجهة حالة صراع واحدة في الستينيات (القضية الفلسطينية)، فدخلت الأمة في صراع حربي آخر مع إيران (الحرب العراقية الإيرانية)، ولم يمر وقت حتى جرى خلاف صراعي حربي في داخلها بعد غزو العراق للكويت. كانت تلك بداية مرحلة انهيار حالة المواقف الواضحة الموحدة والمحددة، وبعدها استهدفت الولايات المتحدة المنطقة لتفجر سلسلة من الحروب بإعلانها الحرب على الإرهاب وغزو أفغانستان والعراق (وانفجرت معها باكستان بحروب داخلية) وقبل أن تصل الحروب السابقة إلى أي نتائج حاسمة، انفجر الربيع العربي وتحركت الثورات المضادة له في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، فأعيد انقسام المواقف بين القوى والأحزاب والجماعات في داخل الدول العربية وعلى الصعيد الرسمي، واختلفت وتضاربت المواقف الإقليمية وصار من يأخذ موقفا في الصراع الحربي الجاري في دولة ما، يتخذ موقفا آخر مختلف أو متناقض في الصراع الجاري في دول أخرى. فإيران التي تقتل الشعب والربيع في سوريا والعراق، تعلن وقوفها مع الحركة الجارية في البحرين وتدعم الحوثيين تحت شعارات دعم الثورة والربيع اليمنى. ودول الخليج التي وقفت بقوة مع الربيع الليبي والسوري في بدايته، وقف بعضها في الموقع المضاد في مصر وفي تونس، وعادت ذات الدول لتغير موقفها من نتائج وتطور حالة الربيع في ليبيا -ويمكن القول في سوريا أيضاً –وهو أربك وشوش المشهد وأحدث انقساما وتضاربا بين تلك الدول.
واختلطت الأوراق وتداخلت المواقع على نحو أشد وأخطر بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، الذي غير مواقف دول في الحالتين السورية والعراقية، وغير سياساتها الداخلية ضد قوى إسلامية أخرى كانت محل رعاية ودعم في السابق، كما جلب ظهوره مخاوف أو تدخلات عسكرية من قبل دول في الإقليم وأخرى من أوروبا إلى كندا إلى أستراليا، وقبلهما الولايات المتحدة بطبيعة الحال..إلخ.

 

الآن يجد المتابع للحرب في اليمن أن الحوثيين صاروا حلفاء لعلي عبد الله صالح الذي قاتلهم لست حروب، وهناك تجد الولايات المتحدة وإيران في موقع واحد، وتجد أبناء اليمن قد غير قطاع منهم وجهة نظره وصار ينظر للقاعدة كعنوان لإنقاذهم مذهبيا، وهكذا اختلطت الأوراق بعد أن صارت الأقلية الحوثية هي الحاكم بقوة السلاح، وبعد أن صنعت تماسا مع دول ترفض دور الإخوان أو السلفيين في اليمن وأخرى رأت في الحوثيين فرس رهان في الحرب على القاعدة، وبين هذا وذاك صارت القبائل تحمل السلاح لتدافع عن نفسها، كما الجنوب أصبح مصبا ومهبا لرياح لم تتحول بعد إلى عاصفة. وفي سوريا تجري أعقد الحروب المتداخلة وأشدها تشوشا، فتجد الأمريكي والروسي والإيراني والخليجي والمصري والأوروبي في وضع التغيير للتكتيكات والتحالفات حتى اقترب بعضهم من حالة التخلي عن الثوار والميل لإبقاء النظام، وتجد القوى الثورية الفاعلة على الأرض متناثرة التنظيمات والاتجاهات وبعضها في حالات اقتتال مع أخرى، وتجد تنظيم الدولة يخوض حربا ضد الخارج وحرب ضد ثوار الداخل وبينهم التنظيم الأصلي (القاعدة)، كما تجد معركة أخرى جارية على أساس انفصالي، كما هو حال الأكراد، فلا يواجهها إلا تنظيم الدولة والنظام أيضا.

 

في مثل تلك الأوضاع بديهي أن تسمع أن القاعدة ثم تنظيم الدولة الإسلامية، صناعة أمريكية تارة وتركية تارة وإيرانية تارة ثالثة، وتجد أن انقلاب الحوثيين في اليمن جاء لمصلحة تنظيم القاعدة –الذي حصل على مشروعية جديدة-وتجد أمريكا وإيران أقرب إلى بعضهما البعض في العراق واليمن وفي وضع الخلاف في سوريا، وتجد حركة حماس تراجع موقفها من إيران (حيث الموقف العربي مخجل) وتجد المقاومة العراقية في وضع لا تعلن فيها رفضها أو قتالها ضد تنظيم الدولة –بحكم الاستهداف الأمريكي والإيراني للجميع- وتجد حزب نصر الله يعمل للتهدئة في لبنان مع ذات القوى التي يقاتلها في سورية.

 

وهكذا اختلطت الأوراق في الإقليم وتداخلت الحروب والمواقع والمواقف.

 

المصدر/ الشرق