في قراءة الانقلاب الحوثي
8 ربيع الثاني 1436
أمير سعيد

مع الانقلاب الحوثي على النظام اليمني، ترفع أجهزة التنفس الأخيرة تماماً عن الثورات السلمية العربية، وتدخل جميعها هكذا في مرحلة الصراع المسلح، بتنوعاته المتأرجحة ما بين "العنف" و"العسكرة".

 

تأخرت الدولتان التي التزمت ثورتهما بالسلمية حتى نهاية الشوط الأخير بخلاف ليبيا وسوريا والعراق، لكن انهارت مقاومة الجميع، وسدت جميع منافذ الحلول، وبدأت هذه وتلك في الانزلاق شيئاً فشيئاً نحو الصراع المسلح.

 

الحالة اليمنية مختلفة من دون شك عن الجميع؛ فاليمنيون – كشعب مسلح لم يتم احتلاله بشكل مباشر من قبل - لم يغمدوا سيوفهم يوماً ما، وظلت الصراعات حتى في أوج الحالة السلمية مشتعلة، لكن الحديث اليوم ليس عن معارك اعتيادية بين الحوثيين وبعض القبائل، أو بينهم والقوات المسلحة، وإنما ما يتشكل الآن هو حالة انسداد سياسي ستقود – غالباً - في النهاية إلى حروب شاملة في ربوع اليمن، ليس بين الحوثيين والقبائل اليمنية الأصيلة فقط، بل، وبين أطراف مختلفة على أرضيات دينية وجهوية وقبلية، لاسيما مع تفجر فكرة الانفصال.

 

ثمة من يريد التمسك بالسلمية، ويقدر أن اشتعال المعارك في كل مكان سيقضي على الأخضر واليابس في بلد نامٍ، ويريد أن يفسح الطريق لأي حوار أو تفاهم سياسي، فعند كتابة هذه السطور كانت الجموع تتقاطر على شارع الستين بالعاصمة اليمنية صنعاء رجاء ألا تنحدر البلاد إلى حرب شاملة، ورفضاً لحكم ميليشيات الحوثيين قبل أن يتفرق جمعها تحت قمع تلك الميليشيات، لكن ماذا عساه هذا يجدي في ظل إصرار حوثي على السيطرة على مقاليد الحكم والتحكم في مؤسساته السيادية؟!

 

لا يبدو في الأفق أي مؤشر على أن الانقلاب الحوثي على النظام اليمني، وانفراده بالسلطة يمكن له أن يتراجع من خلال المفاوضات بين الفصائل السياسية، ربما يظل المتمسكون بأمل إيجاد حل سلمي للأزمة اليمنية يعيشون حالة طوباوية لمجتمع يمني لا تسيطر فيه قوة على أخرى على خلاف ما داهم الجميع حقيقة من سيطرة حوثية متصاعدة بالوكالة عن الإيرانيين الذين بدورهم يحكمون عواصم عدة في المنطقة بالوكالة عن الولايات المتحدة ذاتها.

 

غياب هذا المؤشر ليس لأن اليمنيين لا يرغبون في هذا، وإنما لأن التدخل الخارجي في اليمن أكبر بكثير من أن يخضع لإرادات قوى محلية إذا افترضنا جدلاً أنها بمنأى عن التوظيف الخارجي.

 

في جعبة الغرب سيناريوهات وضوابط؛ فاليمن "الموحد" لم يعد مرسوماً في خرائط العواصم الغربية، ومثلما رسمت سايكس بيكو بالقلم الرصاص قبل فترة وجيزة من تشكل وحدات حرس الحدود العربية لتدافع عن "التراب الوطني"؛ فإن الخرائط بالفعل مرسومة، وفيها جنوب وشمال، وفي بعضها ما هو أكثر فداحة من هذا.

 

المعادلة بسيطة.. إذا كانت الولايات المتحدة قد توحدت لتكون قوية؛ فإن على دولنا أن تتجزأ لتكون الولايات المتحدة أيضاً قوية بما ينبغي مع ما يطرأ عليها من ضعف متواصل.. وهم الآن يفعلون.

 

المعادلة الأخرى بسيطة أيضاً.. إذا كان لك أن تضمن بعض عملاء أو سمهم إن شئت "حلفاء" في كثير من العواصم العربية؛ فإن الضامن الأقوى – في تقدير الولايات المتحدة والغرب – هي أن يكون هؤلاء "الحلفاء" منحدرين من أقليات.

 

وفي اليمن، لا يكفي أن يكون هادي لا يتمتع برصيد قبلي قوي ليكون "فزاعة حقل"، وإنما ما يمثل للغرب رمانة ميزان، أن تحكم أقلية اليمن، أو بالأحرى شماله؛ فنماذج "نصيرية" سوريا، و"شيعية" العراق ولبنان، لابد أن يتكرر في اليمن، (و"مسيحية" مصر ربما مستقبلاً)، ولتكن إيران حاكمة لليمن كحكمها للعراق وسوريا ولبنان؛ فمعها يصبح شعار "الموت لأمريكا" فلكلورياً كما ينبغي.

 

وليمر هذا تحت لافتة "يمن مفتت أفضل لوحدة الخليج العربي"!، التي سوقت من قبل معلبة لبعض القوى السياسية العربية، تماماً مثلما تروج فكرة غريبة نوعاً ما، عن وقوع الحوثيين تحت تأثير من قوى الدولة العميقة في اليمن، لاسيما أنصار الرئيس المخلوع صالح، على الرغم من أن الميليشيات التابعة لإيران لم يحدث أن وظفت للتمكين لآخرين في بلادنا العربية.. سواها.

 

إيران تدخلت في اليمن، دربت، سلحت، مولت، صنعت كوادر، أرسلت خبراء، عقدت صفقات، وهي لم تفعل كل هذا لتكون شريكاً مع قوى أخرى في اليمن، وإنما لتكون صاحبة السلطة المطلقة في اليمن، أو ليكن شماله فقط إن اتفقت الولايات المتحدة وإيران، وربما روسيا على الاقتصار على الشمال فحسب.

 

لا، ليس هذا هو ما حصل في العراق أو سوريا أو لبنان، لا، ولا هذا ما ترنو إليه في أي مكان في العالم.. أضف، ولا هذا ما ارتضته لها القوى الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، وإلا لكان النضال الوهمي في العراق لإبعاد المالكي وتنصيب العبادي لتحقيق توازن ما مع الأكثرية السنية في العراق. لم يحصل هذا، ولن يحصل. ببساطة لأن الولايات المتحدة تريد أن تتعامل مع إيران كقوة حقيقية وفاعلة في الإقليم، لأسباب كثيرة سبق الحديث عنها مراراً، وهي حين تفعل تكشف في الوقت المناسب عن رغبتها تلك، وها هي قد كشفت.

 

بالأمس كانت القاعدة أخطر من الحوثيين، ثم لم يعد الحوثيون خطراً، ثم هي تتغابي – بذكاء ! – مؤكدة أنها لم ترصد علاقة مباشرة بين إيران والحوثيين!، ثم الآن تجلس مع الجميع، بمن فيهم الحوثيون، ثم ستجلس مستقبلاً معهم وحدهم.

 

ليس مهماً مع من يجلس قادة واشنطن، إنما المهم أن يدرك اليمنيون، سنة، وزيدية معتدلة، حجم الخطر جيداً، ويتيقنوا من طريقة معالجته؛ فلئن ادرعوا بالحكمة في الماضي والحاضر للوقاية من الانزلاق للحرب؛ فإن الحكمة قد لا تكون بالضرورة بوضع الأصبع على الزناد، وإنما بالضغط عليه، لكن في اللحظة المناسبة، بأقل كلفة..