أهي أعتاب 11سبتمبر أردنية؟!
19 ربيع الثاني 1436
أمير سعيد

خاض الناس في شأن مقطع حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، من حيث الإمكانات الاحترافية العالية، وما إذا كان يدل هذا على اختراق أجهزة استخبارات دولية لتنظيم داعش لحد إصدارها هذا المقطع، أم أن التنظيم الذي يتخبط في كل مستوياته وإداراته للمناطق التي وضع يده عليها، قد تفوق إلى هذا الحد بإمكاناته الإعلامية دون غيرها؟!

 

ما دفع المحللين إلى التدقيق هذه المرة أكثر من غيرها هي فجاجة حرفية المقطع ووضوحه بما يؤكد صعوبة بل استحالة قدرة ميليشيا داعش على إنتاج هذا النوع من الأفلام الهوليودية، وإلا؛ فالأفلام السابقة كانت تحمل أيضاً على الاعتقاد بأن ثمة ما يؤكد شكوكاً حول ماهية هذا التنظيم ومن يقف وراءه ويقوم عنه بإنتاج مثل هذه المقاطع التي لا تثير الشك في مصدرها وحده، بل أيضاً في صحة بعضها، بما سبق وأن أوضحته من خلال مقال كتبته منذ خمسة شهور بعنوان "مشاهد الذبح الداعشية.. هل هي حقيقية؟"، وبما لحق من توضيحات جلية من متخصصين في الإعلام نشرت مؤخراً في عدة وسائل إعلامية وبرهنت على الحرفية العالية جداً للمقطع الأخير بما يتجاوز إمكانات تنظيم، هو في الأخير ليس إلا فقاعة نفخت فيها أجهزة الإعلام العالمية، وغضت الطرف عن تمددها وبقائها قوى دولية وإقليمية.

 

لا حاجة إذن لإسالة الحبر حول المقطع، حرفيته، صدقيته من عدمها.. الخ، فمعظم ما سيقال في هذا الخصوص هو من باب تحصيل الحاصل، إنما الأهم من ذلك هو الحالة التي وضع فيها الأردن وحلفاؤه كرد فعل على المشهد الهوليودي لحرق الكساسبة؛ فالآن أصبح لهذا البلد المجاور لكل من سوريا والعراق ثأر مع تنظيم داخل الدولتين، بغض النظر عن كون الأردن هو الذي أرسل طائراته لقصف مواقع داخل الدولتين أيا كانت مظلة هذا السياسية والقانونية والأخلاقية.

 

وفقاً لرؤية تشرشل؛ فإن الفرق بين "القاتل" و"المقاتل" هو تمتع الأخير بهدف "أخلاقي" للقتال بخلاف الأول، واليوم منح الشريط الجيش الأردني هذا الهدف، ليس هذا فحسب، بل نجح الشريط في حشد قطاعات شعبية ليست في الأردن وحده ضد هذا التنظيم، وقد لا ترى غضاضة في أداء الأردن دوراً في الحرب السورية.

 

بل، ويزيد تأثير الشريط أهمية حين ينظر إليه من زاوية تحقيق قدر من "الاستقرار الداخلي" في الأردن؛ واصطفاف قطاعات جماهيرية خلف النظام الأردني الذي هب "كأسد جريح يثأر من مهاجميه".
هل سمعتم هذه العبارة من قبل؟! بالطبع في أعقاب صواعق 11 سبتمبر، حين وُصِفت أمريكا بالأسد الجريح، الذي لا ينبغي أن يُسأل ممن يثأر، ولا كيف يثأر، ولا عن حدود ثأره؟!

 

يُلاحظ د. رونين إسحاق، رئيس وحدة دراسات الشرق الأوسط في الكلية الأكاديمية الصهيونية بالجليل الغربي في مقاله لصحيفة "إسرائيل اليوم"، أن "تجربة الماضي في الأردن تبين أن الأعمال الإرهابية في المملكة ساعدت على توحيد المواطنين"، عازياً إلى تقرير استخباري صهيوني أنه "عشية العمليات الإرهابية في نوفمبر 2005 كان الدعم لتنظيم القاعدة الأكبر في العالم العربي، لكن العمليات هذه هبطت به من 70% إلى 20%، بما مكن قوى الأمن من العمل ضد القاعدة متحررين من الضغوط الشعبية" [إسرائيل اليوم – 8 فبراير الحالي].. يتحدث الأكاديمي الصهيوني عن تلك العملية التي نفذها أقارب ساجدة الريشاوي بأمر من أبي مصعب الزرقاوي، في العام 2005، في قاعة أفراح بفندق في عمان، وقتل فيها المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد، مخرج فيلم "عمر المختار" الشهير، والذي أحدث مقتله استياء كبيراً عند الأردنيين وغيرهم، وكذا مقتل بقية المدعويين في الحفل، وزاد من التعاون الأردني مع القوى الغربية في العراق ما أسفر بعد سبعة أشهر عن مقتل الزرقاوي نفسه، ودخول تنظيمه في حالة كمون، إلى أن ورث البغدادي تنظيمه الغامض.. فهل كان الأردن "بحاجة" لعقاد آخر يلم شعث الأردنيين ويجيشهم مع إرادة دولية قوية بمشاركة في حرب قادمة مطموسة المعالم؟

 

ربما؛ فالثابت أن الدول حين تقدم على حروب؛ فهي تفعل مشدودة إلى مبررات منطقية؛ فإن عدمتها، افتعلتها أو انتظر آخرين يمنحونها هذه الفرصة، سواء أكانوا أذكياء أم "أغبياء".. وهذا وذاك متاح، وهؤلاء وأولئك متوفرون في المنطقة!

 

الذروة التي وصلتها شعبية القاعدة أواسط العقد الماضي، يبدو أنها وصلت لها لداعش في الأردن بعد عقد من عمليات عمان التي استهدفت "مدنيين" قالت عنهم أدبيات القاعدة حينها إنهم "عناصر استخبارية"، ولا يمكن تحريك عساكر ودساكر الأردن من دون تأمين الجبهة الداخلية؛ فمعركة كسر عظام القاعدة السابقة كانت داخلية، وقد يكون الأردن مرشح لدور أكبر في الخارج، سوريا أو العراق مثلما يتردد في أوساط خليجية اليوم، لاسيما أن خبر حرق الكساسبة جاء بالتزامن مع زيارة الملك الأردني للولايات المتحدة ما دعاه لقطع زيارته لها، لكن بعد لقاء مع أوباما لم يكن مرتب له من قبل.

 

ليس مؤكداً ما إذا كانت الأردن مقدم على مشاركة لقواته في حرب برية في سوريا أو العراق؛ فقد يقتصر تأثير – أو هدف – عملية حرق الكساسبة أو حتى أسره على "تمتين الجبهة الداخلية، والمساهمة في دعم الاستقرار" في بلاد لها خصوصيتها العشائرية، التي تمتزج فيها الأيديولوجيا بالجغرافيا، لكن من جانب آخر فإن اختيار الأردن للعب هذا الدور وارد، لاسيما بعد أن نأت تركيا بنفسها عنه، وانشغل الجيش المصري بعدة ملفات (سيناء وليبيا)، علاوة على أن علاقة النظام المصري بنظيره السوري قد لا تمكنه من لعب دور ما في سوريا يتسق ورغبات الخليج.

 

حتى الدور الأردني – إن طلب – فملامحه غير واضحة؛ فالحالة السائلة التي تنغمس فيها المنطقة تكاد تلغز على دوائر صنع القرار في العواصم الكبرى، فضلاً عن مراقبيها!