قذاف الدم.. وقذافوه على شاطئ ليبيا!
27 ربيع الثاني 1436
أمير سعيد

حينما قال القيادي الليبي السابق أحمد قذاف الدم إنني "أؤيد داعش" ووصفهم بأنهم "شباب أنقياء"، اعترضه المذيع المصري بكلمات خجولة، واكتفى من بعدها بابتسامة صفراء تدل على أنهما معاً غير مقتنعين بهذا؛ فالجميع يعرف تاريخ ابن عم القذافي، ويعلمون أنه لم يكن يوماً يحمل فكراً مشابهاً لقتلة داعش.

 

لكن عندما أرادت مجموعة مسلحة تنتسب إلى داعش ذبح "مسيحيين" مصريين، اختارت مدينة سرت مسقط رأس القائد الليبي الراحل معمر القذافي، ومعقل قبيلته، القذاذفة، حيث ظهر بها فجأة هذا التنظيم الغامض، الذي يقدم صورة شائهة عن الإسلام، والذي حرص على أن ينسب نفسه إلى طرابلس تحديداً، ربما لأنها العاصمة، وربما لأنها تضم أكبر قوة للثوار الليبيين الذين يثيرون قلقاً متزايداً للغرب وحلفائه.

 

قبل شهر، تُرك قذاف الدم منسق العلاقات المصرية الليبية السابق يغادر مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية، ولم توجه له أية تهمة، كما لم تلاحقه أي جهة خارجية؛ فالجميع أخذ كلماته على محمل المزاح، وأمضوها على حسن النية، لكن هناك في ليبيا من اعتبرها دليلاً على أن نظام القذافي راغب في العودة بأي وسيلة، وربطوا بين ظهور هذا التنظيم المشبوه والأماكن التي رغب بالتموضع فيها، والجهات المهيمنة عليها أو التي تحكم قبضتها على الطرق الموصلة إليها.

 

على أنه ليس بالضرورة ثمة حاجة للربط بين التنظيم و"فلول القذافي"؛ فالتنظيم موجود في أكثر من بلد، وينفذ أجندة واحدة، بل تتشابه تحركاته لحد ارتداء قتلة المصريين للثام ذاته الذي ارتداه حارقو الطيار الأردني معاذ الكساسبة (أو هكذا ظهروا)، بنوع قماشته ولونه تماماً، كما أنهم استخدموا السكاكين المعرجة ذاتها التي لوح بها من ظهروا في مقاطع ما قبل ذبح الأمريكي والبريطاني في سوريا، والبزات السوداء تماماً المستخدمة فيما سبق، بل وألبسوا قتلاهم ملابس برتقالية من النوعية ذاتها المتكررة في كل مرة في كل بلد، وحتى استخدموا الكاميرا العلوية ذاتها!

 

ربما لا رابط إذن؛ فالموضوع أكبر من قذاف الدم؛ فقذافو الدم الجدد في شاطئ المتوسط ليسوا ذوي "تطلعات" محلية أو إقليمية، بل ما يطمحون إليه أكبر من هذا، إنها الحرب مع روما مباشرة، لكن ربما ليس هناك، وإنما هنا في أرضنا نحن.. على أرض عمر المختار! وخطابهم يتجاوز قذاف الدم المحلي؛ فاستدعاؤهم للحرب – كالعادة – هو بلغة إنجليزية تعني من يتوجهون إليهم مباشرة، وللدقة بـ"لكنة أمريكا الشمالية" مثلما لاحظت وكالة أسوشيتدبرس؛ فهم معنيون بالغرب والغرب معني بهم تماماً، لذا اختارا معاً ليس الخطاب الانجليزي فحسب، وإنما التنفيذ الغربي أيضاً!

 

ينزعج مصريون كثيراً من مشهد الذبح الرعيب.. تدق طبول الحرب في مدينة الإنتاج الإعلامي، يريدون رداً حاسماً على هؤلاء العابثين بأرواح المصريين.. الغضب عارم ومبرر لمعظم المشاهدين.. لكن ممن ينتقمون تحديداً؟! أمن جماعة ليبية إرهابية، أم من كوماندوز غربي، ربما أمريكي على وجه الحدس؟!

 

سار الذباحون مع فرائسهم بمحاذاة الشاطئ، ظهروا متحفزين لسفك دمائهم، لكن ألم يلفت النظر أنهم كانوا جميعاً متمتعين بطول فارع حتى بدا المصريون جوارهم أقزاماً.. أهؤلاء ليبيون؟ لا، جزماً.. أهؤلاء البيض البشرة عُرباً "منقوعين" في صحراء ليبيا الشاسعة؟! أبداً..

 

أهؤلاء "المهاجرون" – كما يزعمون – فأين "الأنصار"؟!

 

ثم، من قبل، ومن بعد، ما الهدف السياسي لهذه المجزرة؟ وما المغزى من اقترافها؟ أهو جلب من يحسم المعركة لصالح حفتر، حليف الأمريكيين؟ أتحالف جديد يريدون؟! ثم إذا كانت الرسالة للغربيين عموماً، والإيطاليين تحديداً؛ فما الحاجة لذبح مصريين؟! وإذا كانت الرسالة للمصريين فلماذا الإنجليزية وهم فيها ضعفاء؟! وإذا كانت كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين هما الهدف فلماذا استعجلوا بالذبح دون انتظار لتفاوض؟! وإذا كان النظام في القاهرة مقصوداً؛ فما الوسيلة الأخرى لدعمه غير هذه؟!

 

لقد ظلت سرت بعيدة كل البعد عن الاستهداف من طائرات حفتر، للحد الذي جعل هؤلاء ينصبون كاميراتهم بارتياح لإنتاج هذا المشهد الجديد، الذي ينضم إلى عديد من مشاهد غامضة، تراصت خلف بعضها للتحضير لتغيير يعد طازجاً للمنطقة التي انخرقت سفنها، وغاصت رويداً رويداً في الفوضى..