بن جدو إذ ضاق ذرعا بمذيعة الميادين
29 ربيع الثاني 1436
عبد الحكيم الظافر

لو تراه وهو يخرج من قناة الجزيرة مغضباً من "فقدانها للموضوعية"، وانحيازها لـ"الإرهابيين السوريين"، أي الثورة السورية السلمية حينئذ، لما تصورت أن هذا الإعلامي سيقوم من فوره بإنشاء واحدة من أكثر القنوات الإخبارية طائفية وانحيازاً للأقلية الشيعية في المنطقة.

 

حديثه الدافق طوال عمله بالجزيرة عن الليبرالية وحرية الرأي والتعبير، أمكنه أن يخيل على البسطاء، لكن عند محك الاختبار، خرجت الميادين كواحدة من أدوات نشر الشائعات في العالم العربي، وإليها تنتهي أكبر أكذوبة حقيرة عرفتها الثورات العربية، وهي فرية جهاد النكاح، وفتاوى شرعنتها التي روجت القناة زوراً أنها صدرت عن كبار علماء السنة، وتلقتها عنها مواخير الإعلام الطائفي والصهيوني في المنطقة.

 

أوكل إلى غسان بن جدو مذيع الجزيرة السابق، ومدير مكتبها السابق في بيروت، مهمة إنشاء قناة إخبارية احترافية لتكون ظهيراً للتوسع الإيراني الإمبراطوري في المنطقة السنية العربية، فعمل على جذب كل الموتورين من الإعلاميين الطائفيين في سوريا ولبنان وسواهما ممن نقموا على الجزيرة وغيرها تغطيتها للمجازر التي يرتكبها السفاح بشار الأسد وعصابته في سوريا؛ فعمد إلى تصوير كل مجازر المالكي والعبادي وسليماني ونصر الله بأنها مناهضة للقوى الصهيونية، بما هو معلوم بالضرورة من سياسة القناة.

 

لكن جديدها هذه المرة كان ممارسة فاشيتها على العاملين بها؛ فممارسة حرية الرأي والتعبير التي كان يظهرها بن جدو في السابق لم تصبح محرمة على ضيوف القناة وحدهم، بل امتدت إلى العاملين بالقناة وفي مقدمتهم مذيعوها؛ فقبل أيام كان أن طرد بن جدو مذيعة برنامج "خارج القيد"، اليمنية منى صفوان، لأنها تجرأت، واستضافت حقوقياً يمنياً كشف حجم الضيم الذي يتعرض له الإعلاميون والناشطون الحقوقيون، وسائر الشعب اليمني تحت حكم الحوثيين الموالي لإيران. منعت الحلقة، ولم تشفع السنوات الأربعة للمذيعة في خدمة سياسة القناة الإعلامية الطائفية؛ فأرغمت على الاستقالة فوراً.

 

للإنصاف، ليست "الميادين" وبن جدو وحدهما الذين يمارسون تلك السياسة الإقصائية لكل من يبث رأياً آخر أو يعبر عن رأيه في سياسات دول تخدمها تلك المحطات؛ فمعظم قنوات التلفزة هكذا، وقبل شهر أوقف المذيع الأميركي المخضرم جيم كلانسي عن العمل في قناة CNN بعد حرب كلامية دارت بينه وبين مناصرين للكيان الصهيوني على موقع تويتر، وحينها جاء في بيان رسمي من إدارة القناة أن "جيم كلانسي لم يعد يعمل مع القناة. نشكره لخدمته المميزة لأكثر من ثلاثة عقود، ونتمنى له كل الخير"!

 

حرية التعبير، سواء في وسائل الإعلام الغربية أو الشرقية ليست إلا وهماً يصدقه البسطاء، الذين يصدقون وجود هذه القيمة أو اعتبارها عند مسوقيها، إذ لا يبقى إلا صوت واحد، ورأي واحد، وما حوله إلا مجرد "مقبلات"!