فقه الأزمة والدعوة إلى الوسطية
5 جمادى الأول 1436
د. خالد رُوشه

[email protected]

فارق كبير بين معرفة فقه الأولويات وفقه النوازل, وبين نوع من الفقه يسمونه فقه الأزمة, والحقيقة أن هذا المسمى إنما نتج عن حالة الضعف التي قد تشهدها الأمة, فتدعو للنظر إلى المعطيات الواقعية نظرة الفار المرتبك, فترتكب خطأ كبيرا في تناولها للشأن المنهجي الإسلامي بدعوى الوسطية.

 

إن الإسلام يسر في حقيقته ومنهجه, "قال صلى الله عليه وسلم : إن هذا الدين يسر" أخرجه البخاري, وقال: "بعثت بالحنيفية السمحاء" أخرجه أحمد, وفي الصحيح قول عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما", بل إن من أهم قواعد الفقه الكبرى قاعدة "المشقة تجلب التيسير" وهي قاعدة متفق عليها بين علماء الإسلام.

 

لكننا لابد أن ننظر إلى القضية نظرة منهجية علمية صحيحة قبل أن نسقط في هاوية التلفيق والتنازل والسقوط, إن هذه الأوصاف - من اليسر والسعة وغيرها - إنما هي أوصاف للمنهج الإسلامي الحق المتكامل, لا للمنهج المنقوص ولا المجتزىء.

 

فليس اليسر يعني ترك الثوابت العقدية المتفق عليها, ولا الأسس العبودية المبني عليها ذلك المنهج, ولا يعني تتبع رخص المذاهب في كل مسألة, فتتكون لديه مجموعة من الرخص في كل باب فيسميها الوسطية, وﻗﺪ ﻗﺎل أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ: إﱠن ﻣﻦ ﺗﺘﺒﻊ رﺧﺺ اﻟﻤﺬاھﺐ ﺑﺪﻋﻮى اﻟﺘﯿﺴﯿﺮ ﻓﻘﺪ رﱠق دﯾﻨﮫ.

 

فمقياس اليسر ليس تابعا لرؤية الناس ولا حتى لرؤية آحاد الفقهاء, وھﺬه ھﻲ طﺮﯾﻘﺔ السلف الصالح من العلماء, ﻓﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ﻣﻨﺎھﺠﮭﻢ اﻷﺻﻮﻟﯿﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻘﺼﺪون اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻣﺮاد اﻟﺸﺎرع بعيدا عن الحكم بالسهولة أو غيره, وﯾﻌﺘﺒﺮون ﻋﻨﺪھﺎ أن ﻣﺎ اﻧﺘﮭﻮا إﻟﯿﮫ من الحكم الشرعي ھﻮ اﻟﻮﺳﻂ وھﻮ اﻟﯿﺴﺮ ﻷﻧﮫ ﻣﻘﺘﻀﻰ أمر الشارع العظيم.

 

والمتتبع لألفاظ الأمر باليسر والنهي عن التشدد يجدها وردت في سياقات إما للنهي عن المبالغة في الأعمال المشروعة أصلا بأوامر شرعية, فيكون التشدد هو الزيادة عن المشروع, وإما في مقابل الغلو في الدين بما لم يأذن به الله سبحانه, وإما ردا على الذين اتخذوا التشدد ديدنا لهم ومنهجا رافضين كل رخص التيسير.

 

يقول عمر بن عبدالعزيز: "سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وولاةُ الأمر بعده سننًا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله - عز وجل - واستكمالٌ لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرُها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي مَن خالفَها، فمن اقتدى بما سنوا اهتدى، ومَن استبصر بها بصر، ومَن خالَفها واتَّبع غير سبيل المؤمنين، ولاه الله - عز وجل - ما تولاه" اللالكائي – شرح اصول الاعتقاد .

 

فالوسطية إذن هي شرائع الإسلام الحقة, وليست الوسطية تنازلا عن شريعة الإسلام, ولا عن شىء مما جاء به الوحي الكريم.