الحوثيون يجذفون في القارب المصري
5 جمادى الأول 1436
عبد الحكيم الظافر

فيما كان سفراء العالم في صنعاء يحزمون حقائبهم، ومنهم سفير المملكة العربية السعودية، عائدين إلى بلدانهم، كان السفير المصري يتحدث عن توأمة مزمعة بين القاهرة وصنعاء، ويبشر بتعاون كبير بين "الحكومتين" المصرية واليمنية.

 

الأوضاع في العاصمة اليمنية لم تصبح مطمئنة للولايات المتحدة وأوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي، ما حدا بالكثيرين لغلق سفاراتهم وترحيل رعاياهم، لكن يبدو أن الدبلوماسية المصرية كان لها رأي آخر حتى أيام قليلة مضت؛ فلقد بعثت إليها ميليشيات الحوثي تطمينات عبر وفدها الذي استقبله السفير المصري يوسف الشرقاوي، والذي ضم حسين العزي رئيس دائرة العلاقات الخارجية في المجلس السياسي وعبد الملك العجري عضو المكتب السياسي للميليشيا التي تعاملت معها السفارة كأمر واقع للحركة.

 

لدى "الجانب المصري" ما كان يرتكن إليه؛ فلقد قال السفير المصري إن "الحوثيين يقدرون دور مصر الريادي في المنطقة العربية، كما أنهم متأكدون من اهتمامها بأمن واستقرار اليمن"، وأوضح أنه تلقى إشادة ممن دعاه بـ"مسؤول أنصار الله باستمرار السفير وأعضاء السفارة المصرية في أداء مهامهم، رغم الظروف التي تمر بها البلاد".. ربما تلك العبارات الدبلوماسية ليست هي وحدها ما يدفع النظام المصري إلى تصديق ما يقوله الحوثيون؛ فلديه رصيد يحمله على تجنب ترحيل المصريين من اليمن وتأجيل إغلاق سفارتها هناك حتى وقت قريب اضطرت معه لأسباب سياسية لإغلاقها؛ فثمة مؤشرات عديدة على أن علاقتها بإيران، دولة الاحتلال الحقيقية لليمن، تزداد توثقاً يوماً بعد يوم.

 

والواقع أن الإشارات على نمو العلاقات المصرية الإيرانية عبر سوريا أو اليمن مؤخراً قد بدأت مبكراً؛ فأولى زيارات نظام ما بعد مبارك كانت للتنسيق الأمني مع نظام بشار الأسد، فيما لم تكن توابع انتفاضة 25 يناير قد انتهت بعد، إذ كان ثمة مبعوثٌ رفيع المستوى لدمشق بعد وقت قصير من احتفالات التحرير بإطاحة مبارك، واتخذ النظام حينها موقفاً رمادياً من ثورة السوريين أثناء فورة الشباب المصري، لكن الدفة تغيرت تماماً بعد شهور من انتخاب الرئيس مرسي، الذي رفع العلمين المصري والسوري (الثوري) في مؤتمر حاشد قطع أثناءه العلاقات مع النظام السوري، وهدد بأنه لن يكون هناك مكان لـ"حزب الله" في سوريا، غير أن كل هذا قد ذهب أدراج الرياح، بعد يوم واحد من الإطاحة به؛ فأعيد فتح السفارة السورية، وغادرت قيادات الثورة السورية القاهرة، وغضت السلطات، كغيرها الطرف عن التدخل الإيراني في سوريا، وتقاطرت وفود حزبية مصرية على العاصمة السورية تأييداً لنظام بشار الذي حظي بدعم غير مسبوق في الإعلام المصري.

 

أما "حزب الله"، فكان لافتاً أنه بخلاف كل المتهمين في القضية المعروفة باسم اقتحام سجن وادي النطرون؛ فإن المتهمين المنتمين للحزب لم تشأ السلطات أن تلاحقهم عبر الإنتربول، وغطت الطرف عن مغادرتهم البلاد، ولم تثر الموضوع خلال اللقاءات التي جمعت مسؤولين لبنانيين بممثلي النظام المصري، بل حصل لقاء مع مسؤولي الحزب أنفسهم في العاصمة اللبنانية من دون أن يعكر من دفء اللقاء، وجود منتسبين للحزب متهمين بارتكاب جرائم أو مخالفات قانونية في مصر.

 

وإذا كان قد لوحظ ارتفاع في نبرة السلطات المصرية حيال احتمال استيلاء الحوثيين على مضيق باب المندب فائق الأهمية لمصر، وهدد المهندس محلب بالتدخل عسكرياً إذا ما أغلق الحوثيون المضيق؛ فإن هذا التهديد لا ينسحب على الحالة الانقلابية الحوثية برمتها، وإنما يخص تعدياً حوثياً مستحيلاً على مضيق دولي لا يمكن لأي قوة محلية أو إقليمية مجرد التفكير في إغلاقه، وحتى هذه؛ فإن السفير المصري بدا مستريحاً في تصريحاته بعد تطمينات تلقاها من الحوثيين حيال هذا.

 

أما الجانب الآخر؛ فهو حيث يفتقر إلى الشرعية كونه انقلب على حكومة الرئيس اليمني هادي منصور، ويتلمسها مؤقتاً بأي سبيل؛ فإنه راح يبعث برسائله للقاهرة عبر القنوات الدبلوماسية وبعض وسائل الإعلام المصرية، فالوفد الحوثي للسفارة المصرية قد أكد بجلاء، طبقاً لما نقل عنه السفير المصري نفسه "على حيوية الدور المصري في المنطقة العربية وعدم الإضرار بمصالحها"، كما أنه سعى بلسان رئيس اللجنة الثورية العليا الذي يتردد أنه الحاكم الفعلي لليمن محمد علي الحوثي في حواره الذي أتاحته له المصري اليوم، لإحداث مقاربة بين تجربته وتجربة الجنرال السيسي؛ فقال: " هناك قيادات شرفاء أحرار بالجيش اليمنى يعملون لمصلحة الوطن على رأسهم الأخ وزير الدفاع، والأخ وزير الداخلية أيضا، فالمؤسسة العسكرية نعتقد أن لديها نضجا وفهما للأوضاع الحالية. وأنتم لاحظتم كيف كان الجيش المصرى قويا وفاهما للأمور، أكثر من السياسيين. وأعتقد أن الجيش اليمنى يحمل نفس الصفات التى يحملها الجيش المصرى".. مضيفاً في حواره الذي نشرته الصحيفة القريبة من النظام المصري نهاية الأسبوع الأول من فبراير الحالي: " تعلمنا أن نكون أحرارًا، كما كان الزعيم جمال عبد الناصر"، متزلفاً بالقول: "مصر هى استراتيجياتنا فى الدفاع عن قضايانا وقضايا أمتنا العربية، والمصريون هم من يقومون بالوقوف إلى جانب الضحايا والمستضعفين"، مستخدماً أسلوب التقية عندما سئل عن أي البلدين أقرب للحوثيين، إيران أم مصر؟، قائلاً: "طبعا مصر أقرب.. إذا فهمتنا"!

 

فهل فهمتهم القاهرة؟! بالمنطق الحوثي، نعم؛ فهي لم تدن الانقلاب على الرئيس اليمني، وتعاملت بفتور مع اختطاف الرئيس، وتقويض أركان الدولة اليمنية، وسيطرة الميليشيات عليها، وحتى التهديد الذي ورد على لسان الفريق مهاب مميش رئيس قناة السويس بالتزامن مع حوار المصري اليوم: "مصر لن تقبل بإغلاق مضيق باب المندب في اليمن، بأي حال من الأحوال، وسوف تتدخل عسكريًّا إذا تم ذلك"، فهو تهديد يضاف إلى سابقه من محلب، لا ينسحبان إلا على المضيق ولا يتعلقان بالانقلاب الحوثي نفسه.

 

بالمنطق الحوثي، نعم، حتى مع إغلاق النظام المصري لسفارته في صنعاء؛ فالإغلاق تم متأخراً جداً عن الدول الغربية والعربية، ولم يأت نتيجة تدهور حاد في الأوضاع الأمنية في صنعاء، وإنما أعقب محاولة لتحسين القاهرة علاقاتها ببعض العواصم العربية، بعد فتور معها، زاده استدارة القاهرة بطائراتها الحربية تجاه ليبيا، بما فهمته قيادات حوثية على أنه إشارة إلى أن مشكلة الحوثيين مع دول الخليج لن تخرج عن محيطها، وأن لا ضغوط متوقعة من جانب القاهرة عليهم، إذ يثبتون مواقعهم بعيداً عن سلطة الدولة، وشرعية البرلمان والرئاسة.

 

ربما ثمة مراجعة اضطرارية لجأت إليها القاهرة لسياستها تجاه الحوثيين بما يعيد العلاقات مع بعض العواصم الخليجية لسابق عهدها قبل شهور؛ فمن يرصد عبارات شخصيات خليجية بارزة لا تعبر عن نفسها فقط، في مقابلات إعلامية ومقالات صحفية مؤخراً..الخ لا يخطئه النظر في أن مسار تلك العلاقات لم تكن تسير في خط مستقيم، وتظل متأرجحة مع تغيرات المنطقة الهائلة، وهي أكبر بكثير مما يمكن تتبعه بدقة كونها تفور داخل قدر كبير يستحيل التنبؤ بموعد غليانه.